د. يوسف بن علي المُلَّا:
خلال الفترة الماضية نلاحظ أنَّه تمت كتابة عدد لا يحصى من الكتب حول (قوة الامتنان) وأهمية احتساب النعم التي تحصل عليها، ولكن هذا الشعور قد يبدو وكأنه راحة بال باردة أثناء جائحة فيروس كورونا! بكل تأكيد حمد الله على كل نعمة أسبغها على الإنسان مطلوب، ولكن رفض النظر إلى ظلام الحياة وتجنب التجارب غير المريحة يؤدي إلى الإضرار بالصحة العقلية. وهذه هي الإيجابية السامة والتي ـ إن صحَّ لي القول ـ في النهاية إنكار للواقع. حيث إنَّ إخبار شخص ما بأن يظل إيجابيًّا في خضم هذه الأزمة العالمية يفوت فرصة للنمو، ناهيك عن احتمال حدوث نتائج عكسية يجعله يشعر فقط بالسوء.
ما أرمي إليه هنا حقيقة، إنَّ إنكار أنَّ الحياة لها نصيبها من خيبات الأمل والإحباطات والخسائر والنكسات والحزن سيكون أمرًا غير واقعي ولا يمكن تحمله. الحياة معاناة؛ يوم فيه فرح ويوم آخر فيه حزن، ولن يغير أي قدر من تمارين التفكير الإيجابي هذه الحقيقة!
ولعلَّ البحث عن التفاؤل وسط المآسي الحتمية للناس هو شيء أكثر عمليًّا وواقعيًّا خلال تلك الأوقات العصيبة من أزمة الجائحة، خصوصًا مع من فقد فردًا من أُسرته نتيجة الإصابة بفيروس كرورنا. ويمكن هنا أن نرى كيف أنَّ الناس نموا بعدَّة طرق خلال تلك الأوقات الصعبة ـ بما في ذلك زيادة تقدير حياة الفرد وعلاقاته، بالإضافة إلى زيادة التعاطف والإيثار على سبيل المثل. الأهم من ذلك، ليس الحدث الصادم نفسه هو الذي يؤدي إلى النمو (لا أحد ممتن لـفيروس كوفيد-19) ولكن بدلًا من ذلك، كيف تتم معالجة ذلك الحدث.
بلا شك هناك العديد من المزايا الأساسية للحياة نفسها والتي غالبًا ما نأخذها كأمر مسلَّم به. بعد كل شيء، لدى البشر ميل طبيعي للتكيف والاعتياد على المواقف المستقرة نسبيًّا. فعندما يدرك الأفراد أنَّ مزاياهم ليست مضمونة، فإنَّ الكثيرين يقدِّرونها أكثر. وحقيقة ظهرت العديد من الدراسات هنا لتؤكِّد أنَّ الأشخاص الذين واجهوا ظروفًا صعبة أفادوا بأنَّ تقديرهم للحياة نفسها قد ازداد، وأنَّ بعض الأشخاص الأكثر امتنانًا قد مرُّوا ببعض من أصعب التجارب. فأنت مثلًا عندما ترى مريضة في مقتبل العمر واجهت خطر وفاتها، وذاك بعد أنْ تم تشخيص إصابتها بالسرطان واضطرت للخضوع للعديد من العمليات الجراحية والعلاج الكيماوي والإشعاع. ومع ذلك، بعد شفائها وتحسنها كانت تبحث باستمرار عن فرص لتنمية الامتنان. وبالفعل الامتنان الحقيقي يفرح في الآخر أيضًا، حيث إنَّه بالنهاية كلما زاد امتنان الناس ذكروا أنَّهم كانوا أكثر عرضة لمساعدة الآخرين.
ختامًا، ربما الشكر وما يحمله من تقدير باعتباره عاطفة عابرة يمكن أن يأتي ويذهب، لكن الامتنان أو ذلك الامتنان الوجودي ـ إن صحَّ التعبير ـ يمكن أن يعم حياتك بأكملها، خلال تقلباتها. وهي لا تطلب شيئًا ولكنها تبحث عن الفوائد الخفية وفرص النمو في كل شيء ـ حتى أثناء جائحة عالمية كالتي عايشناها الآن. ولعلَّ الامتنان الذي أقصده هنا ليس مجرد مفتاح يتم تشغيله عندما تسير الأمور على ما يرام، بل هو نور يضيء في الظلام.