[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”.. بالرغم من اتفاقي المطلق مع ما يصل إليه المفكر العربي جورج قرم في كتابه القيم(انفجار المشرق العربي), عن استحالة كتابة التاريخ العربي من منظور الدولة القطرية، إلاّ أنه لا يمكن إلا التأكيد على دور المسيحيين العرب في النضال الوطني الفلسطيني، باعتباره القضية الأبرز في القرنين الزمنيين الماضي
والحالي،ولخصوصية الصراع للجميع مع العدو الصهيوني.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
الطائفية والمذهبية, والتفريق بين عناصر ومكونات المجتمع, تعمي الابصار, وتنزلق بالتفكير إلى ممارسة الانحراف ذهنيا وإنسانيا, تعايشا وسلاما مجتمعيا. تاريخ الأمة العربية منذ فجره شهد تآخيا بين المسلمين والمسيحيين، لم يكن يعرف الجار دين جاره أو مذهبه .. ليكتشف ذلك صدفة في الكثير من الأحيان, بالطبع تتمتن العلاقة بين الجارين والحالة هذه بدلا من تأثرها سلبا!. في بدء الإسلام...هاجر المسلمون إلى الحبشة هربا من بطش ذوي القربى, وكتب النبي الكريم بخط يده, رسالة إلى النجاشي ملك الحبشة الذي استقبل المهاجرين بكل مودة. المسيحيون العرب وقفوا مع أمتهم في القتال ضد الصليبيين عندما احتلوا قسما من وطننا العربي. هكذا هو التآخي بين أبناء الأمة العربية الواحدة .. لا يسأل أحد أحدا، هل أنت شيعي أو سني عندما يكون مسلما؟ ولا .. هل أنت كاثوليكي أو بروتستانتي؟ عندما يكون مسيحيا. أنا بالفعل أعكس الحقائق ولا أتجنى عليها.
نعم, انطلاق مارد الطائفية والمذهبية البغيض, في العالم العربي سيأكل الأخضر واليابس, كما أن تداعياته, وآثاره السلبية .. إن في الهيمنة على التناقضات الأخرى المفترضة في المنطقة وأهمها الصراع العربي ـ الصهيوني، مرورا بالمطالبة بالاستحقاقات، كالديموقراطية ومجتمعات العدالة والمساواة, وصولا إلى شرذمة التآخي في النسيج المجتمعي, كل ذلك سيؤدي إلى تفتيت الدولة القطرية العربية, وتحويلها إلى كيانات هزيلة, بهدف خلخلة الوجود العربي ذاته وفي مختلف مجالات ظهوره في كل الأقطار العربية، وبالتالي سيكون الوبال للأمة بأسرها.
ومع الكره الشديد لإلقاء تبعة ما حصل على نظرية المؤامرة, التي يرى البعض, فيها ( أنها ليست نظرية من الأساس, بقدر ما هي مزاج سياسي خرافي عاجز عن التحليل السببي للحدث)، إلاّ أن جزءاً من الصحة ينطبق على هذه النظرية، والجزء الآخر يعود إلى: الذاتي السببي بالتأكيد.
كان ملفتاً للنظر، التصريح الذي أدلى به الرئيس جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بأن ما سيقوم به(هو حملة صليبية جديدة ضد ما أسماه الإرهاب الدولي). بالمقابل فإن أسامة بن لادن في حياته، أعلن في تصريح قديم له:(الجهاد ضد الصليبية والمسيحية). من جانب آخر، فإن كثيرين من سياسيي الغرب ومفكريه: بريجنسكي، هننغتون، كيسينجر وغيرهم يؤكدون وفي كتاباتهم على ارتباط المسيحية العربية بالغرب، لذا فمن وجهة نظرهم فإن المسيحية في المشرق العربي, هي ظاهرة طارئة وغريبة على العرب، وينكرون عروبة المسيحية بتغريبها وادعاء غربيتها، أو يحاولون تصويرها وفقاً للكاتب اللبناني جورج حداد: بأنها دخيلة ومستوردة, في البلاد العربية. اليوم داعش تقوم بذات المهمات القذرة, تحت راية "الإسلام", الذي هو بريء منها وأمثالها وهمجيتها, فذبحها للسنيّين يجري قبل الشيعة, وللمسلمين قبل المسيحيين, وتمارس سبي النساء والتهجير للناس من كل المذاهب والاديان, لكنها تعلن جهارا عن تهجيرها المسيحيين!.
نعم, المسيحية: هي إحدى الظواهر العربية كما تبين الأحداث التاريخية, وأبحاث كثيرة، نشأت في فلسطين والمشرق العربي, ويسميها البعض بـ(النبتة الوطنية العربية التي ظهرت ونشأت في التربة الوطنية العربية- جورج حداد)، فيما بعد, تم نقل مركز القرار المسيحي إلى روما, في عهد الإمبراطورية الرومانية- البيزنطية. وبعيداً عن التسلسل التاريخي الممل للكثيرين، فلا يستطيع أحد إنكار دور المسيحيين العرب في النهضة العربية، منذ القرن التاسع عشر وحتى اللحظة، ولا دورهم الأساسي في الحركة القومية العربية, ولا في الثقافة العربية: كمفهوم شامل، ولا في الحضارة العربية, التي تعتمد على البنية المؤسسة في حياة الشعوب. وأيضاً في حركة التحرر الوطني العربية, بمعنى أن المسيحية هي إحدى مجالات ظهور حركة القومية العربية.
وبالرغم من اتفاقي المطلق مع ما يصل إليه المفكر العربي جورج قرم في كتابه القيم(انفجار المشرق العربي), عن استحالة كتابة التاريخ العربي من منظور الدولة القطرية، إلاّ أنه لا يمكن إلا التأكيد على دور المسيحيين العرب في النضال الوطني الفلسطيني، باعتباره القضية الأبرز في القرنين الزمنيين الماضي
والحالي،ولخصوصية الصراع للجميع مع العدو الصهيوني.
لقد شارك المسيحيون الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين في عام 1948، ووقفوا ولا يزالون ضد الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وغزة، وللأراضي العربية الأخرى في حرب عام 1967، وشاركوا وأسهموا بفعالية كبيرة في الثورات العربية, والثورة الفلسطينية المعاصرة. المسيحيون العرب هم جزء رئيسي من مكونات أمتنا العربية،والتاريخ الإسلامي يدعو إلى الحفاظ على المسيحيين، وليس أدل على ذلك من العهدة العمرية، ورفض الخليفة عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة القيامة،خوفاً من استغلال الحادثة فيما بعد من قبل بعض المسلمين. وللعلم فإن مفاتيح الكنيسة مازالت مودعة منذ القدم لدى عائلة مسلمة. هذا هو التعايش الحقيقي بين المسيحية والإسلام، وليس كما تفهمه القوى الظلامية، والتي يُطلق عليها خطأً: الأصولية الإسلامية، فللإسلام تعاليم واحدة، إنسانية، تعايشية، عقيدية، تحترم خصوصيات الأديان الأخرى.
لقد لعبت إسرائيل ومنذ إنشائها وحتى اللحظة على الوتر الديني للفلسطينيين في منطقة 48، ففصلت في الحقوق بين الأديان, وبين الطوائف, وبين المذاهب داخل الدين الواحد، واعتبرت الدروز طائفة وحدها, واثنية مختلفة, رغم أنهم مسلمون عرباً. الصراع المذهبي والطائفي في العالم العربي, يلتقي بالضرورة مع المخططات الصهيونية والغربية التي تستهدف وحدة المسلمين والمسيحيين.
نعم: جريمة كبرى التفريق بين البشر على أساس الطائفة والدين والمذهب والإثنية في العالم العربي أو غيره ... وجريمة أيضا تجاهل دور المسيحيين في مختلف جوانب حياتنا العربية.