[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
رابعا : العمارة والآثار القديمة والمكتشفات ... :
” تحمل عمان بين أراضيها المتنوعة ثروة ضخمة من التراث المعماري والآثار الهائلة التي لم يكتشف الكثير منها بعد, وهي بهذا الإرث الحضاري تدين إلى موقعها الجغرافي المتميز على طريق من أقدم الطرق التجارية في العالم وهناك عدة مواقع تاريخية عاشت فترات ازدهار عظيمة عبر العصور, فمنذ خمسة آلاف سنة كان النحاس يستخرج من بلاد مجان , وهو الإسم الذي أطلقه السومريون على عمان.”
ــــــــــــــــــــــ

يقول الكاتب ( أندريه ستيفن) في كتابه (عمان برها وبحرها تراث وتاريخ) يصف العمارة العمانية وهندسة بنائها وفقا لطبيعة المنطقة التي تضمها, وذلك في عبارات موجزة وكلمات قليلة ولكنها كافية في تصويرها الدقيق وتعبيرها البليغ وشرحها المحكم وتقديمها النموذج الحي لكل سمة ووصف وميزة يشير إليها, وهو ما يؤكد على أن الكاتب طاف مختلف أرجاء البلاد واطلع على تفاصيل العمارة العمانية ومكوناتها وما تمتلكه من آثار قيمة وسجل بقلمه وعدسته أروع تلك المعالم, وقدم كتابه للمكتبة العالمية وهو شارح لحقيقة وقيمة تلك العمارة وما وصل إليه العمانيون من ثراء مالي وعلمي وحضاري, يصف الكاتب تلك الحقيقة قائلا: (وأينما كانت هذه الآثار قائمة فوق أرض مسطحة أو فوق أرض جبلية أو في احدى الواحات أو على طول الساحل فإن لها قيمتها ليس فقط من حيث شكلها المعماري بل أيضا من حيث مغزاها بالنسبة لتاريخ البشرية, فهنا أبراج دائرية تعلوا قمم التلال لتشرف على وادي سمائل وهناك مبان رباعية الشكل من حصون وقصور راسخة على الأرض مثل الحزم وجبرين وهما الأكثر شهرة, ومثل عبري – عينين والفليج والمصنعة وبركة الموز, وهنا تتواءم المباني مع طبيعة الأرض مستفيدة بدرجة كبيرة من طبغرافيتها كما هو الحال في القلعة العالية بنخل أو القلعة ذات الشكل المضلع ببهلا, وتوجد بعض القلاع متوارية بين النخيل والمساكن المتناثرة داخل واحة من الواحات المحصنة كما هو الحال في وادي عندام وعبري .. )) وتحمل كل من (( ابراء والمضيرب ذات السبعة أبراج وهما المركزان الرئيسيان بالشرقية دلائل ثراء معماري )) وتضمان (مساكن فاخرة ومهيبة ومحصنة ... ) . نعم تتناثر القلاع والحصون والمساجد والبيوت الفاخرة ذات الطابقين والثلاثة والأسوار والبوابات العملاقة التي تفتح وتغلق في أوقات بعينها والأسواق والمعالم القديمة في عشرات الالآف من القرى والمدن والحواضر والحارات القديمة وحتى في قمم الجبال ومداخل الولايات والقرى ومخارجها مشكلة ثروة معمارية فريدة من حيث عددها الهائل وتصميمها الهندسي البديع وتشكيلاتها الرائعة وتعدد أغراضها واستخداماتها سكنية وحربية ودفاعية, تعليمية ودينية وبما تطلبه بناؤها وتصميمها المعماري وأسلوبها الهندسي, وما تضمنته من مكونات ومداخل ومخارج وأبواب مهيبة محفورة ومزخرفة بالخشب تنم عن خبرات وابداع هندسي وبنائي وروح نابضة بحب الحياة, وبالنشاط والتفاؤل والقدرة على التطوير والتصميم, وعلى تجاوز كل التحديات خاصة وأن الكثير من تلك المعالم التاريخية قد بنيت في قمم الجبال وفي سفوحها وفي مناطق شاقة وإذا ما أخذنا في الاعتبار كذلك تواضع الامكانات وغياب الوسائل الحديثة, وأخيرا لما تقدمه من قراءات ومشاهد لشكل الحياة وأنماطها وتحدياتها وتطوراتها الاجتماعية والسياسية, الدفاعية والمعمارية وغيرها عبر مختلف الفترات التاريخية القديمة والحديثة التي شيـدت فيها, إن تلك الآثار العمرانية القديمة التي وضع تصميمها وشيدها فنانون معماريون عمانيون منذ آلاف السنين أو مئاتها والتي مازالت ماثلة حية بين أبصارنا بروعة تصميمها وفن وجلالة نقوشها وعظمة بنائها وقوة ومتانة قواعدها وسموّها وعلو شأنها وما تبعثه من رسائل وقصص من العهد القديم, لدرجة أن الفرد منا يقف مندهشا أمامها يفكر في عظمة وقدرة وعزائم وذكاء أولئك الرجال الذين أعملوا الفكر ووضعوا الخطط فصمموا وشيدّوا حتى تم لهم ما أرادوا وأقاموا ذلك الإنجاز الكبير, إن تلك الآثار العظيمة ترمز لحضارات وتدلل على أجيال تعاقبت ونشأت ورسخت أقدامها وتوسعت وأنتجت إرثا يفتخر به من جاء من بعدهم , وتؤكد على مكانة تلك الحضارات وقوتها وأساليب الحكم ونظمه ونوع التعامل والامتداد الجغرافي الذي ميز حضارة عن أخرى, وحجم ارتباطاتها وصلاتها بالحضارات والأمم الأخرى وقوة تأثرها وتأثيرها, وتكشف عن درجة الإبداع والازدهار العلمي الذي وصل إليه الإنسان العماني الذي خلف لنا هذه الكنوز الثمينة التي حرص القائمون عليها تصميما وتشييدا وعطاءا على أن تتواصل وتتلاقى مع النظم السياسية والأجيال اللاحقة , ولولا ذلك ما بقت واستمرت حتى يومنا هذا على رغم ما مرت به من أحداث جسام ومن كوارث طبيعية وإنسانية شهدتها عمان. ويأتي تنوع العمارة العمانية في تصميمها وشكل بنائها ومكونات هذا البناء وتأثر بعضها بحضارات وثقافات أخرى حيث بنيت هياكل القلاع الحصينة في الواحات العمانية في الداخل من خشب الساج من الهند, ليعبر عن طبيعة المناطق العمانية ومواقعها صحراوية كانت أم جبلية أم شاطئية وهضبات الأودية, حيث نجد على سبيل المثال بأن الآثار المعتمدة على الأحجار في بنائها كثيرا ما تكون في المناطق الجبلية وبأيد من البنائين العمانيين المهرة, فيما يتم استخدام مكونات الجص والطين في مناطق السهول والشواطئ, (( إن القصور والحصون والقلاع ترتفع شامخة على سفح سلسلة جبال الحجر الضخمة التي يصل ارتفاعها إلى ما يربو على الثلاثة آلاف متر, مثل قلعة بهلاء التي أدرجت اليوم في سجل اليونسكو ضمن تراث الإنسانية الفني)), لقد أكدت العديد من الحفريات والاكتشافات التي يظهر بعضها بمحض الصدفة إلى وجود حضارات وإنجازات إنسانية وحياة توالت منذ العصور القديمة, حيث يشير العديد منها على أن الإنسان قد عاش في هذه الأرض منذ العصر الحجري الأول. فقد (عثر علماء الجيولوجيا على أكثر من 100000 مقبرة تعود إلى الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد في سواحل عمان وعلى قمم الجبال, مخبأة بشكل يصعب الوصول إليها كما في الوديان أو في المرتفعات التي تعلو الواحات ... ), ومما أورده موقع وزارة التراث والثقافة في هذا الجانب ما يلي: (( وتعود المواقع الأثرية المكتشفة، إلى عصور وحقب زمنية مرت بها عُمان على مدى تاريخ طويل ، بعضها يمتد إلى سبعة آلاف سنة ما قبل الميلاد، وتنتشر في مواقع كثيرة من محافظات السلطنة، مؤكدة على إسهام الإنسان العُماني في ركب الحضارة البشرية، وتواصله مع الحضارات الإنسانية.
وبلغ عدد المواقع الأثرية المكتشفة 3500 موقعا، تم حصرها ضمن قاعدة البيانات الشاملة، وتوثيقها بالصور والخرائط، كما بلغ عدد المكتشفات الأثرية المحصورة في السجل الآثاري (28177) قطعة أثرية، )). ومن بين أهم الاكتشافات مدافن بات والعين والتي يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد, والتي تحتوي على أكثر من ثلاثمائة مقبرة (ظل بعضها على حالته الأصلية), وأطلال سمهرم التي يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد ـ وموقع شنة الأثري الذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد ـ مدافن رأس الحمراء لمنتصف الألف الرابع قبل الميلاد ورأس الخبة في ولاية جعلان بني بوعلي والذي يعود لنهاية الألف الخامس قبل الميلاد ـ وفي موقع وادي شاب ... تحمل عمان بين أراضيها المتنوعة ثروة ضخمة من التراث المعماري والآثار الهائلة التي لم يكتشف الكثير منها بعد, وهي بهذا الإرث الحضاري تدين إلى موقعها الجغرافي المتميز على طريق من أقدم الطرق التجارية في العالم وهناك عدة مواقع تاريخية عاشت فترات ازدهار عظيمة عبر العصور, فمنذ خمسة آلاف سنة كان النحاس يستخرج من بلاد مجان , وهو الإسم الذي أطلقه السومريون على عمان. ويحمل التراث المعماري الذي يعود إلى بدايات مرحلة دخول العمانيين إلى الإسلام خصائص وسمات المرحلة الجديدة والتأثر بالحضارة الإسلامية وخاصة المساجد. وقد كانت أسرة اليعاربة هي التي بدأت في القرنين السابع عشر والثامن عشر ب (تشييد القلاع فريدة النوع , وخلفتها أسرة آل سعيد في مواصلة هذه المهمة وأصبحت على رأس امبراطورية ملاحية ضخمة) . ومما ذكره يوسف الشاروني في كتابه (ملامح عمانية) يصف امكانيات المكان وعبقرية الاختيار للموقع الذي شيدت فيه قلعة الحزم: (( والذي يمعن النظر في الموقع الذي اختير لبناء هذا الحصن يجد أنه في منطقة استراتيجية ممتازة, فهو يقع في منطقة زراعية تتوفر فيها ضرورات الحياة اليومية , كما يستطيع المرء أن يرى من على سطحه إلى مسافة سبعين كيلومترا, بلدان الباطنة التي على الساحل, كما يرى بلدان وادي الرستاق, وهذا يجعل الحصن يحكم السيطرة على الطريق ما بين منطقة الساحل ومنطقة الجبل الأخضر, فلا عجب أن أطنب الشعراء العمانيون في وصفه). لقد بهرت تلك العمارة كل من زار عمان من رحالة وكتاب وسياح فالتقطت آلآت تصويرهم ملايين الصور لها, وسجلت أقلامهم أروع الانطباعات وبكلمات تعبر عن الاعجاب , وأصدرت الكثير من الكتب التي قدمت وصفا دقيقا عن العمارة العمانية.
إن تلك الإنجازات الحضارية والآثار القائمة والإرث التاريخي الثقيل والسجل المعبر عن إمكانات الآباء لن يعيد لأي أمة قوتها وعظمتها ومجدها ولا أن يضعها في مصاف الأمـم البارزة, ولكنها تضعنا أمام العديد من الحقائق وتقدم لنا الكثير من الرسائل والمؤشرات, أولا: العلم بأمجاد مضت وحضارات قوية بادت وتبخرت مع الحضارات الأخرى والاستفادة من القراءات التي تقدمها في إعداد الدراسات والأبحاث وإعادة قراءة التاريخ والبناء عليه وتصحيح الأخطاء التي وقع فيها المؤرخون وتعزيز الكتابات والشهادات التاريخية بالنماذج المكتشفة, ثانيـا: الاستفادة من التاريخ المجيد والإرث الحضاري المشرق والتراث المعماري المهيب في أخذ العبر واستلهام الدروس والتفكر في عزائم وجهود أولئك الأوائل ومضاعفة العمل وإعمال الفكر من أجل بث الحياة والهمة وتحفيز الأجيال وتعزيز الروح المعنوية لإعداد وصياغة مشروع حضاري تقدمي يليق بنا ويتوافق مع تطورات العصر وحداثته وعصرنته, قوامه اعتماد المواطن على قدراته وعلى مواهبه وابداعاته وعلى تصميمه على مواجهة كل أشكال التحديات والمعوقات على غرار ما قام به الآباء في الماضي ومزجه مع ظروف المرحلة في تقدمها وتطورها الهائل . ثالثا : توظيف تلك المعالم والآثار والعمارة القائمة في تطوير القطاعات السياحية والاقتصادية والعمل على ترميمها والحفاظ عليها من منطلق أنها تعبر عن وجه مشرق وإرث حضاري مشرف وروح أصيلة قوامها العمل والبناء والحراك والانجاز لكي نضمن بقاءها سليمة قادرة على الصمود في وجه العوامل والكوارث لتطلع عليها الأجيال القادمة فمن حقها كذلك أن تتعلم وتستفيد من الدروس المشار إليها. وإلا فماذا سنخلف للأجيال القادمة من إرث وتراث وحضارة ؟ . أخيرا لما تمثله من أهمية في التواصل مـع روح وثقافـة وأصالة الماضي.
تمتلك الأمة مقومات عديدة وثروات لا حصر لها تتمثل في إرثها الحضاري الطويل ودينها العظيم الصالح لكل زمان ومكان وموقعها وطبيعتها الجغرافية المميزة وثرواتها البشرية والطبيعية التي تتميز بالتنوع والثراء ومساحتها الشاسعة .. وهي مقومات تكفي متى ما وجدت الإرادة والعلم والبيئة المناسبة لتحقيق غايات التطور والتقدم والرقي وتقديم منجزات حضارية تعزز وتضيف الكثير إلى انجازات الماضي. يقول اندريه ستيفن فـي كتابـه المشـار إليه: (عمان هو بلد الألف حصن, فعلى طول خليج عمان الذي يبلغ 300 كم وحتى مضيق هرمز في الواحات الداخلية تظهر هذه الحصون في جميع الأماكن التي تصلح للدفاع عن القرية أو المدينة أو الميناء. وسواء كانت هذه الحصون رمزا لمجتمع قديم أو لمجتمع متطور فيظل كل حصن منها تراثا منحدرا من أجيال سابقة وفخرا للأجيال الحاضرة والمقبلة وهي جديرة بأن تحظى باهتمام الشعب العماني وباهتمام السياح الأجانب فتلك الحصون تبقـى شاهـدا حيا علـى 5000 سنة من تاريخ شبه الجزيرة العربية) .