مسقط ــ «الوطن»:
رغم أنه توقف زمنًا طويلًا عن التمثيل، وبالكاد يعاد عرض الأعمال الفنية التي قدمها على شاشات التليفزيون، أو عبر أثير الإذاعة، إلا أن رحيل الفنان العماني صالح بن عبدالله شويرد، كان له أثر بالغ في نفوس كل من تابع ذات يوم (الفتى حمدان) وهو يتقلب بين همومه، وحكاية (شنجوب مع الفك المفترس)، وحكاية (شمسة مع عبود)، الزوجة التي تضع زوجها في مواقف اجتماعية عديدة، يستخلص منها العبر والنصائح. رحل صالح بن عبدالله شويرد، وذاكرة جيل تستعيد حواراته، ومواقفه، تضحك حينًا على حالها، وتبكي حينًا آخر، حد أنها في أحايين كثيرة، تسترجع زمن (شنجوب)، لتشير إلى حالها.. وكم قد تغيرت الأحوال، وتبدلت الحياة، فأي سيناريو يستوعب كل هذه التقلبات. كانت أعمال صالح شويرد معدودة جدًّا، لكنها كانت (مشاهدة) و(مسموعة) على نطاق واسع، وكانت أعماله الفنية بمثابة صرخة على الكثير من القضايا، والأحوال الاجتماعية، ناقشها بلغة بسيطة قريبة من الناس، أسهم في إضفاء البهجة والابتسامة على متابعيه، وحين توارى عن الأضواء، كانت أشرطة التسجيل تستعيد حلقات الأستاذ (شنجوب) و(الفك المفترس)، المسلسل الذي نال شهرة واسعة، وأصبح (شنجوب) رديفًا لاسم الفنان صالح شويرد.
تأسست مسيرة الفنان صالح شويرد من خلال دراسته للمسرح في جمهورية مصر العربية، وبدأ مسيرته مع العمل الإذاعي منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت بدايته كمذيع ربط، ثم مذيعًا للبرامج، وقدم حينها نشرات الأخبار.
ساهم صالح شويرد إبان عمله في الإذاعة والتليفزيون في إعداد بعض البرامج الاجتماعية، والتنموية والتوعوية. ارتبط الفنان الراحل في أعماله الدرامية مع الفنانة فخرية خميس، وكوَّنا معًا ثنائيًّا ناجحًا، قدم العديد من البرامج والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية، كما قام بتعمين عدد من الأعمال الدرامية، وتقديمها للإذاعة والتليفزيون والمسرح، تواجد في بعضها، واكتفى في بعضها الآخر بالمشاركة في الكتابة والتأليف. رحيل صالح ين عبدالله شويرد، يوم الخميس التاسع من سبتمبر الجاري، أحدث صدمة لدى متابعيه، فقد غرد الكاتب الصحفي حمود بن سالم السيابي على حسابه في تويتر، قائلًا:(يمثل صالح شويرد سينما الأبيض والأسود رغم مجيئه للدراما في عصر الألوان وحكايات الطيبين التي جمعها من السكيك الضيقة لمسقط القديمة لها نقاء الزمن الأول وكانت قفشاته على بساطتها تضحكنا لأن منغصات الحياة والأمراض والهموم أقل وطأة وحين يرحل صالح شويرد فإن فصلًا ضاحكًا عشناه يسدل ستائره). الكاتب والإعلامي سليمان المعمري، استعاد مقالًا كتبه عن الراحل صالح شويرد في أزمته الصحية، مما جاء فيه، (صال صالح شويرد وجال في عِقْدي السبعينيات والثمانينيات بمسلسلات تلفزيونية وإذاعية لطالما أضحكتنا، لكننا حين نعيد مشاهدتها اليوم لا يعود الضحك بالقوة نفسها بقدر ما يعود الحنين لزمن جميل تسرّب من بين أصابعنا كالماء. سيفهم كلامي هذا أكثر من تجاوزوا الأربعين وباتوا مؤهلين أخيرًا لنيل أرض سكنية. والصحيح أن لكل زمانٍ دولةً ورجالًا يمارسون فيه الكوميديا، وما يُضحِك في عصر، قد يثير البكاء في عصر آخر، ونحن نحبّ صالح شويرد اليوم ليس لأنه ما زال يُضحكنا، بل لأنه أضحكنا في الوقت المناسب). أما القاص خليفة بن سلطان العبري، فكتب على صفحته في الفيسبوك راثيا صالح شويرد، والذكريات التي صنعها، (يصلني خبر وفاة (شنجوب) فأعود طفلًا في بيت النخل ينتظر فوازير رمضان ورائحة غراش بيبسي الخمسين بيسة وعسكريم محمد مقشع قبل أن يكبر الطفل، ويسافر فيلتقي شنجوب لأول مرة في دورة صيفية بمسرح الشباب بالوادي الكبير المسقطي! يبدو أنه كلما كبرنا تنزاح من الواقع أصوات ووجوه في ذاكرتنا). فيما غرد الشاعر والإعلامي حميد البلوشي، (قبل النشأة، قبل أن يأتي مصطلح “الإمكانيات”، صالح كان من الحافرين بأظافرهم في صخر الفكرة، تكسّرت تلك الأظافر كثيرًا، وفي كل مرة كانت تنمو! رحمة الله عليك يا صالح شويرد). وغرد الفنان إبراهيم الزدجالي قائلا: (كان نجمًا كوميديًّا قديرًا تأليفًا وتمثيلًا مسرحًا ودراما في فترة السبعينيات والثمانينيات، اليوم فقدناه وفقدنا قفشاته وعباراته الخاصة به هو فقط).
أما المذيع خالد بن صالح الزدجالي فقد رثى الفنان الراحل على حسابه في تويتر، مستذكرًا لقاءهما الأول، (قبل أن ألتقي به كنت قد ألفت صوته المميز مذيعًا فى الإذاعة، وممثلًا ومؤلفًا لعدد من الأعمال الدرامية الإذاعية، وقبل هذا تعرف عليه الجمهور كعاشق للمسرح فى حفلات نادي عُمان .. إنه صانع الابتسامة من دون تكلف والإنسان المتواضع الراقي، عليك رحمة الله).
وغير هذه الكتابات، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برثاء واستذكار أعمال الفنان الراحل، ولسان حال، الذي أضحكنا بالأمس، يبكينا برحيله اليوم.