أ.د. محمد الدعمي:
تعتمد العديد من الدول، ومنها العربية، على ما تكتنزه الأرض من موارد طبيعية (كالنفط أو الفحم الحجري) لتدبر وتدوير عجلة الحياة الاقتصادية لشعوبها. هذه حقيقة ثابتة، لا لبس فيها. بَيْدَ أن أهم انتقاد لهذا النوع من الاقتصادات التي أطلق عليها وصف "ريعية"، إنما يتبلور في تذكير الراسخين في العلم من الاقتصاديين والمخططين الاستراتيجيين في الإدارات الحكومية لهذه الدول بحقيقة مريرة، وخلاصتها: أن النفط، كما هي عليه حال باقي الثروات الطبيعية التي تجود الأرض بها، إنما هو ثروة ناضبة!
وقد دفع الوعي بنضوب النفط وسواه من الموارد الطبيعية بالحكومات العربية نحو البحث عن موارد اقتصادية (بديلة أو مكافئة) يمكن أن نطلق عليها لفظ "مستدامة"، بمعنى موارد اقتصادية أخرى (سوى النفط والمعادن)، يمكن اعتمادها، ليس لتدوير عجلة الاقتصاد الوطني حسب، ولكن كذلك كاحتياطات اقتصادية خشية الوقوع في هاوية الفقر والعوز.
وإذا ما ردد البعض مقولات من نوع "الزراعة نفط لا ينضب"، أو "الصناعة بترول دائم"، فإنهم لم يفارقوا الصواب قط.
بَيْدَ أن هذا الموضوع الاستراتيجي الحساس لا ينبغي أن يغيب عن عقل الإدارات الحكومية العربية بعيدة النظر وهي في نشوة الوفورات المالية النفطية، ذلك أن على هذا العقل أن يتحسب لكل الاحتمالات، يكون بعيد النظر، بقدر تعلق الأمر بمستقبل الأجيال الصاعدة التي قد تلعن جيلنا يومًا ما، بسبب خذلانها، إن لم نفعل شيئًا ملموسًا يعوض الوفورات المالية النفطية التي يتمتع بها هذا الجيل اليوم.
وإذا ما طلب أحدٌ الاستئناس برأيي، فإني أدعو إلى الاستثمار في التربية والتعليم العالي؛ لأن هذين القطاعين الاقتصاديين إنما يشكلان نفطًا لا ينضب، بسبب ما يقدمانه من عقول ذكية، مؤهلة تأهيلًا أكاديميًّا رفيعًا، وهذا ما يعاون الإدارات الحكومية في التعويض عن نقص الموارد الطبيعية بما يتاح لديها من عقول مستنيرة قادرة على تحويل التراب إلى تبر!