[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تطورات الأحداث على الساحة السورية تحديدًا بصعود التيار الإرهابي وانتشاره بمختلف مسميات أدواته، قد تجاوزت قولًا ورسمًا ما أطلق عليه في بداية الأزمة مطالب شعبية و"ثورة"، بل إن هذه التطورات الحاصلة الآن تبرهن على أن هذه المطالب و"الثورة" ما هي إلا غطاء اتخذه المتآمرون على سوريا لتمرير مؤامرتهم، بحكم خلفيتهم التاريخية الاستعمارية بأن سوريا هي بوابة التحول والتغيير، وبالتالي لا يمكن أن يمر أي مشروع غربي استعماري إمبريالي في المنطقة دون العبور من البوابة السورية.
وإزاء هذه الحقيقة، تتضافر اليوم العديد من الشواهد والأدلة يمكن إيجاز عدد منها:
أولًا: المباشرة في التحريض والتشويه والتخوين وشراء الذمم بالأموال العميلة والمشبوهة، والمباشرة بتشكيل العصابات الإرهابية ودعمها بالمال والسلاح والسياسة، وتشكيل ديكورات سياسية تحت كذبة "مساعدة الشعب السوري"، وإعلان تحالف لمتابعة هذا الإرهاب ورعايته تحت كذبة "أصدقاء سوريا"، فكانت ولا تزال النتيجة جرائم حرب بحق المدنيين والأطفال ودمارًا هائلًا.
ثانيًا: تشريد المواطنين السوريين من مدنهم وقراهم واحتلال منازلهم ونهب محتوياتها من قبل العصابات الإرهابية المسلحة، وتدمير الزراعة عصب الحياة السورية، وتفكيك المصانع (حلب ستظل وصمة عار على المتاجرين بحقوق الشعب السوري)، وفرض عقوبات اقتصادية ظالمة، فوقع هؤلاء السوريون بين مطرقة الإرهاب وسندان التشريد والفقر والجوع والبرد والحر.
ثالثًا: تعطيل أي بوادر للحل السياسي، ومقابلة أي جهد نحو ذلك يقوم به الغيورون والمخلصون تجاه الشعب السوري لتخليصهم من هذه المؤامرة، بحملات محمومة من التشكيك والتحريض والتشويه ودعم الإرهاب وعصاباته.
رابعًا: محاولة تهميش وعزل المعارضة السورية الوطنية بالداخل عن بيادق ما سمي بـ"معارضة الخارج" التي أُتي بها من أروقة الاستخبارات الغربية وفنادق أوروبا والولايات المتحدة، ومرجع ذلك واضح وهو ولاء هذه البيادق لأسيادها على عكس المعارضة الداخلية التي بالتأكيد سيكون ولاؤها للدولة السورية، فضلًا عن رفضها للتدخل الصهيو ـ غربي وبعض العربي والتركي ورفضها للإرهاب، على عكس بيادق الخارج التي نافحت بكل وقاحة عن ما يسمى "جبهة النصرة" وأخواتها الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة الإرهابي والتي تعيث فسادًا في الأرض السورية والتي لم تتورع، سواء العصابات الإرهابية أو بيادق الخارج عن إعلان علاقتها العضوية مع كيان الاحتلال الصهيوني الذي بإيعاز وبدعم منه أخذت تدمر مراكز القوة العسكرية من أجهزة مراقبة جوية ومطارات عسكرية ومخازن سلاح وغيرها، بل أكدت استعدادها أن تتخلى عن الجولان السوري المحتل إذا ما استطاع الكيان الصهيوني إقناع حلفائه وشن عدوانًا على سوريا لإسقاطها وتدميرها على غرار ما فعلوا في العراق وليبيا.
خامسًا: النفاق الواضح في الحرب الإعلامية على الإرهاب، حيث تملأ أبواق المنافقين الأرجاء عن محاربتهم "داعش" في الوقت الذي يتم فيه إسقاط المساعدات الكبيرة من السلاح والدواء والغذاء لهذا التنظيم الإرهابي، ودعم بقية عصابات الإرهاب الأخرى تحت كذبة "المعارضة المعتدلة" ماليًّا وتسليحيًّا وسياسيًّا. ولم يعد هناك سر بأن "داعش" هو من صنع وكالة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والصهيونية (وفق عميل الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن)، كما أن الصور فضَّاحة التي كشفت حقيقة المدعو أبوبكر البغدادي زعيم "داعش" ولقاءاته مع السيناتور الأميركي المتطرف جون ماكين، وعمليات التدريب والإعداد والتسليح والدعم الاستخباري واللوجستي لم تكن هي الأخرى سرًّا. فالحديث عن ما يسمى "شهداء اليرموك" لا يزال حديث الساعة وله تفاعلاته وصداه في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي صرف عليه ملايين الدولارات لتدريبه وتسليحه في الأردن فانضم إلى "داعش" بسرعة البرق بعد انتهاء فترة تدريبه، ناهيك عن ما يسمى المبايعات المتوالية من قبل بقية العصابات الإرهابية كـ"الجيش الحر والنصرة" وغيرهما لتنظيم داعش.
وحين يتحدث محمد حسنين هيكل أحد أبرز رواد الفكر والسياسة والإعلام العرب عن الواقع المؤلم لهذه الأمة في ظل مشاهد الإرهاب والدمار والخراب وفتن كقطع الليل المظلم بأن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ستكون له ارتداداته الخطيرة والمدمرة على الجوار السوري، فإن هذا الرجل لم يتحدث من فراغ وإنما من واقع خبرته وتجربته المتراكمة، ومن قدرته على استقراء سير الأحداث ونتائجها، فعندما يقول إن سقوط سوريا بيد "داعش" سيؤدي إلى سقوط الأردن، حيث التماس المباشر على خط النار مع لبنان والأردن فإن هذه حقيقة لا مراء فيها. ولذلك سوريا بصمودها ومقاومتها لهذا التآمر الإرهابي تقدم خدمات جليلة وكبرى أولًا للجوار الذي تتوجع من ظلمه وعدم تقديره للأوضاع حق تقديرها.
فتحركات معشر المتآمرين ـ رغم ما يتقولونه من رغبتهم في الحل السياسي ـ تعطي قراءة صادقة وموضوعية لما ذهب إليه المفكر والإعلامي الكبير محمد حسنين هيكل، حيث إن هناك محاولات جادة من قبل معشر المتآمرين لبسط هذه التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية والعراقية لتحقيق أجنداتهم ومشاريعهم الاستعمارية، ولولا بسالة الجيش العربي السوري، وتصميم الجيش العراقي على ضرب الإرهاب، لكان "داعش" وأخواته في الأردن ولبنان وغيرهما.
في تقديري، أن الجهود التي تقودها الدبلوماسية الروسية لحل الأزمة السورية تمثل فرصة كبيرة وخدمة جليلة لدخول الجوار السوري وكل المتآمرين عليها من عرب وغير العرب لإنجاح الجهود الروسية إذا ما أرادوا تجنب انقلاب سحرهم عليهم، بالطلب من صبيتهم وعملائهم عدم تعطيل الجهود، والوصول إلى إجماع لمحاربة الإرهاب والتخلص منه بداية، ثم المباشرة في حل المسائل الأخرى.