[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
ماذا يحدث في بلادنا من تجاذبات متصاعدة؟ ساحتها، بدأت بوسائل التواصل الاجتماعي ثم انتقلت الى المجالس الخاصة والعامة، وأخيرا الى بعض وسائل الإعلام الرسمية التي بدأت تسجل آراء قوية رغم حساسية القضية التي هى محط التجاذبات، الى متى ستستمر هذه التجاذبات ؟ وكيف ستحسم ؟ وما هي آفاقها المقبلة ؟ لا يملك المقال الإجابة على هذه التساؤلات، لكننا نطرحها من منظور خطورة استمراريتها في ظل انقسام الرأي العام ومخاوف انشغال بعض المؤسسات الحكومية بهذه القضية في مرحلة مليئة بالإكراهات، مما يحتم أن يكون الكل، فردا، جماعة، مؤسسات، حاضرا ومركزا، بل وفي قمة التركيز بالذات خلال هذه المرحلة، وإذا لم يحدث ذلك سريعا، فإننا أمام مؤشرات خطيرة جدا سوف تلقي بظلالها السلبية على مرحلتنا الوطنية الراهنة.
ينبغي القول صراحة بأن قضية المساس بثلاث شخصيات تمثل أركان أساسية في بنية دولتنا المعاصرة من قبل مواطن عماني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد هزت الرأي العام وتربكه حتى الآن، صحيح، هو أي الرأي العام قد تجاوز صدمة ماذا حدث؟ فكلنا عرفنا ماذا حدث من رؤيتين متناقضتين تماما، لن تكون حديثنا هنا، وأصبح يشغله الآن المنطق العقلي الغائب، وهو يتجلى في حقيقة وأبعاد تساؤلين مهمين جدا، وهما، كيف تفجرت القضية فجأة؟ ولماذا حدثت الآن؟ هذان التساؤلان هما اللذان يستقيمان فعلا مع المنطق السليم الغائب في ظل ذلك التناقض، وهما أي التساؤلان يسيطران على منطق رؤيتنا للقضية وتفاعلاتها دون التدقيق في عمق الروايات من كلا الطرفين، ولا حتى في ادعاءات التاجر من ألمانيا، ولا الرد عليها من قبل الادعاء العام، لسبب بسيط جدا، وهو، أن هذه الادعاءات لو كان صاحبها قد استلم حقوقه كاملة لما كشف عنها الآن للرأي العام، فلما وقع الاختلاف بين الأطراف، لجأ للرأي العام في معركته الخلافية مع تلك الشخصيات البارزة، وقد كشفت هذه المعركة عن وجود فعلا علاقة (ما) بين كل الأطراف المتنازعة الآن، والصور المنشورة دالة عليها، وهذا ما يجعل الرأي العام منقسم الى ثلاثة اتجاهات رئيسية، الأول يرى في القضية تصفية حسابات شخصية، والثاني يذهب مع المواطن في ادعاءاته، والثالث، يخرج من الجدال كله برؤية ترى ضرورة تقييم المسيرة بأشخاصها وأفكارها في ضوء تجربة الأداء العام لكل النخب، نكرر - لكل النخب – وهذا الأخير اتجاه عقلاني تحتمه الكثير من الاعتبارات الوطنية، الداخلية والخارجية، دون التوقف عند قضية التاجر، وربما تكون من المصلحة العليا تشكيل لجنة عليا للبحث في مدى أهلية كل النخب الوزارية وما تحتها من قيادات تنفيذية عليا ومدى صلاحيتها للمرحلة الراهنة، فالحديث المتزايد عن الفساد وعن قضايا أخرى قد أصبح أكثر جرأة في الطرح مما سبق عبر الإعلام الجديد وبأسماء حقيقية وليس وهمية وبعيدا عن ما يطرحه التاجر كذلك، وفي كل يوم نقرأ ونسمع عن ملفات تفتح، وعن حالة استياء عامة .. لا يمكن تجاهلها أبدا، فمن يملك الأهلية الوطنية والسياسية والمهنية، فليبقى، ومن يفقدها فليغادرها، ومن خلال هذا السياق يمكن تمرير عمليات الاصلاح والتغيير الحتمية المنتظرة .. الذي يهمنا هنا بعد أن ترددنا كثيرا في الحديث عن القضية المثارة حاليا بسبب الخلفيات، هو وحدة موقف المجتمع العماني وتماسكه، وفي حالات نحس أننا ينبغي أن نمارس هنا دور إعادة وحدة هذا الموقف بعد انقسامه الثلاثي، وهذا ينبغي أن يكون شأن سلطتنا السياسية بدلا من ترك الانقسام يتعمق في بنية المجتمع، فهل نتطلع لتشكيل هذه اللجنة للدراسة والاستقصاء ليس تحت ضغط هذه القضية وإنما لأن المصلحة كانت تحتم ذلك منذ فترة بعد أن كشف بعض النخب الوزارية قصورا في الأداء، ونقدم هذا المقترح رغم أننا واثقون بأن السلطة السياسية مهتمة كل الاهتمام بالقضية المثارة حاليا، ولن تسكت إذا ما افترضنا – مجرد افتراض – بأن القضية وراءها فساد وفق الادعاءات حتى لو كان على خلفية علاقة تجارية خاصة، فالقضية مرفوعة سياسيا وليس قضائيا، ولن يسقط الحق القضائي إذا ما كان وراءه حقوق مالية أو تشهير بشخصيات رفيعة المستوى، لكننا نقدم مقترحنا لكي تكون الرؤية أشمل وأعم لضرورات مرحلتنا الوطنية الراهنة والمقبلة تلح علينا بضرورات إصلاح الفاعلين وتغيير بعضهم، لأننا في مرحلة اندلاع الأزمات الطبيعية والمصطنعة، وفق حسابات قديمة وأخرى لتداخل المصالح وتضاربها، والبعض الاخر وفق اجندة سياسية، المرحلة مفتوحة على مصاريعها، ونتوقع لها أن تستمر فترة من الزمن حتى تزول بزوال اسبابها (...) وتتطلب وجوها جديدة ليس تاريخ سابق مع لعبة المصالح .. وهذه الفرضية تفتح الأفق لطرح تساؤلات ذات أهمية كبرى، مثل هل ستشهد بلادنا تجاذبات أخرى مثل التي تحدث حاليا؟ وهل سيكون للخارج علاقة مباشرة أو مستترة، فيما حدث وما قد سوف يحدث؟ تساؤلات تستقيم كذلك فعلا مع المنطق السليم، وهى (نكرر) لا تصادر الحقوق الفردية والجماعية في القضية المثيرة للجدل.
لابد أن نخرج سريعا من هذا الوضع المربك للكل، فهناك مؤشرات على اندلاع إكراهات داخلية وتقاطع الخارج معها، وينبغي علينا أن نتفرغ لها لخطورتها، لعل من إبرزها، الإقدام على تدمير بعض الأضرحة .. فماذا نرى فيه؟ مؤشر لفتنة .. إذن، لابد أن يحسم هذا المؤشر فورا حتى لا ينصب الفرد نفسه مكان الدولة، وحتى تتسع رقعة الفعل وردود الفعل عليه، وسوف يتناغم معه محيطنا الجغرافي المشتعل بنيران المذهبية، ويتداخل الداخل مع الخارج الإقليمي أو العكس، كما أن مرحلتنا الوطنية الراهنة قد أصبحت محط اهتمام الجوار الإقليمي أكثر من السابق، ولن نفشي سرا إذا ما قلنا أن مستقبل بلادنا السياسي قد أصبح شأنا إقليميا متعاظما للجيوالسياسي لبلادنا، وهو كذلك سوف يكون خلال المرحلة المقبلة، ورسالتنا للرأي العام بشأن القضية المثيرة للجدل، نبعثها من وحي ثقتنا بأن قيادتنا السياسية العليا لن تقبل أن يشرف ويدير على أركانها السيادية، مثل العدل والأمن .. الا شخصيات وطنية في قمة الامانة والنزاهة والاخلاص والانتماء للوطن والتجرد من الانا ومصالحها الذاتية، فالعدل أساس الحكم، والأمن ديمومة الاستقرار في البلاد، ومتى ما اكتشف خروج عن تلكم الاستحقاقات – ونحن بشر – بالتأكيد لن تستمر في تحمل الوطنية، نقول هذا من حيث المبدأ وليس اسقاطا على القضية الراهنة، لأنه مبدأ حاكم لكل المراحل .. وهو ينظم عملية التدافع في هذه الحياة انطلاقا من قول ربنا جل جلالة ،، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض .. ،، مثل هذا التدافع هو الذي يقيم العدل ويحق الحق ويكشف عن الظلم، فالوطن فوق المصالح والأشخاص، ويظل دائما مقدسا خالدا رغم المتغيرات من حوله في الأشخاص أو في المصالح.