عادل سعد:
لا خلاف جوهريا بين الخبراء المختصين في شؤون الاستراتيجيات على تعريف موحد بشأنها، فالكل يجمع على أنها علم التخطيط إلى أمد طويل. ويقال عنها أيضًا إنها فن الخطط، وأمام ذلك لم أجد مستلزمات ينبغي توافرها عند وضع أية استراتيجية عمل مضمون التطبيق وأكثر رجاحة في تلبية حاجاتها من المستلزمات التي سأدرجها هنا.
لقد تابعت هذا الموضوع على امتداد ربع القرن وتوقفت عند العديد من التجارب مراجعًا وفاحصًا، لا أزعم أنني خبير في الموضوع، لكني خلصت من تجارب ميدانية إلى أن الحاجة إلى استراتيجية ناجحة تتطلب المستلزمات الآتية:
الأولى: الكفاءة الإدارية التي تتمتع بها المؤسسة المعنية بتطبيق آليات الاستراتيجية، وبمعنى مضاف، أن يرتبط طموح الإنجاز ارتباطًا وثيقًا بما لدى تلك المؤسسة من قدرة إدارية وتنظيمية تستوعب ما تنوي تنفيذه من خطوات؛ لأن أي مستوى إداري وتنظيمي أقل من القدرة المطلوبة ليس إلا توريطًا يقود إلى الفشل في كل الأحوال.
الثانية: تتعلق بالكلفة المالية (النفقات) التي من شأنها أن تغطي آليات تنفيذ خطة العمل. ويحضرني هنا أن بعض المؤسسات هيأت لها خططًا دون أن تأخذ بالاعتبار الإمكانية على أساس القيمة الوازنة لرصيد الميزانية العامة للمؤسسة المعنية. الثالثة: الزمن اللازم للإنجاز ويقال، الترشيد بالزمن المرادف الأساسي للترشيد بالنفقات.
الرابعة: هامش الاحتمالات الخاصة بالإخفاق أيًّا كانت الأسباب، وما يمكن تلافيه من خلال ما لدى المؤسسة بعدم الاستسلام له.
أنا هنا أتحدث عن البدائل والكف عن التشكي والملاومة، الذريعة التي تروج لهذا السبب.
في كل الأحوال ينبغي أن تكون المتطلبات المتوافرة متكافئة مع الوقائع على الأرض.
الخامسة: البيئة الحاضنة المحيطة بالمؤسسة التي من شأنها أن تكون عاملًا مساعدًا لها، أو بالحد الأدنى ليس مناوئًا، ومع وجود تباين في حجم الرصيد التشغيل الاستراتيجي تظل تلك المستلزمات الخمس القاعدة الراسخة لنجاح العمل.
إن غرور القوة والنفوذ لا يمكن أن يكون بديلًا لتوافر عناصر العمل، فلا صعود من القمة، وإذا كان منسوب مياه الغدير يتحدد من القطرات، فإن أسلم آلية للاستراتيجية أن يكون التدرج هو الطريق؛ لأنك عند ذلك لا تغامر بكل ما تمتلك من إمكانات، وهكذا أيضًا، أن تحاشي احتمالية الجوع لا تعني بأي حال من الأحوال الزج في مخاطر التخمة.
نحن إذًا أمام متوالية من العمل التنظيمي الذي ينبغي أن يتأسس على قاعدة معلوماتية غاية في الدقة التخطيطية، والاستبسال في التنفيذ، ودرء مخاطر الوهن وحماية المسافات في الإنجاز على أساس المدة المرسومة من دون أن يستولي الغرور نقيض الثقة هي جوهر العمل. ويرى البنك الدولي أن تراكم العوامل التشغيلية وأسلوب العمل يعززان التنمية المستدامة مع زيادة حصة الفرد من النتائج.
لقد نجحت سلطنة عمان في الاستراتيجيات التنموية على وفق نظرية التراكم المنسق، ومن نموذجٍ واحدٍ من نماذج النجاح التي شهدتها البلاد لي أن أشير إلى الآليات الجديدة المعتمدة في المدن الصناعية لجلب الاستثمارات من دون تكليف المستثمرين المعاينة الميدانية، إذ توفر لهم البيانات اللازمة عبر الإنترنت عن البيئة الاستثمارية مع الضمانات اللازمة، وبذلك يكون المستثمر على بيِّنة وثيقة من كفالة حقوقه المالية. ولي أيضًا أن أتوقف عند تجارب كوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة في حين طوّح غرور الإنجاز المماثل بدول أخرى؛ لأنها ضاربت بما لديها اعتمادًا على ما تحقق في بنيتها الاقتصادية على أن هناك فائض قيمة واضحا في إنجازاتها التنموية دون أن تفحص كفاءة الأداء، وتعي مخاطر المجازفة ولذلك أصيبت بالإعياء.
إن الإفراط في الحس الاستهلاكي مفسدة الخطط التنموية الاستراتيجية، ولا شك أن المزارعين المختصين بالدورات الزراعية الموسمية أقل صبرًا من مزارعي النخيل الذين ينتظرون أن يثمر.