تسكن فينا لغتنا العربية الجميلة، نسكن في مفرداتها وفي موسيقاها وفي عذوبة ما تحتويه .. هي الأصالة التي تظل تقترح علينا أن نمد جسور الحنين إلى كل زاوية عربية، وكل مدينة وريف، الى السهول الناطقة بها، والى البحر المتوسط الذي صارت له محكياته لكثرة ماشطط على أرزاقنا.
في يوم اللغة العربية نقف جميعا نحن العرب لنسعد بلغة يتحدث فيها أكثر من ثلاثمائة مليون، يتفاهمون كيفما تغربوا سواء إلى إفريقيا الشمالية، حيث عذوبة اللحن اللغوي تنساب على شفاه تونسية وليبية ومصرية وجزائرية ومغربية، وعلى المشرق، حيث واكب عرب العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، والى البعيد القريب من قلب الأمة، حيث جيبوتي والصومال وجزر القمر، وفي صورة القلب، حيث الخليج العربي تجسده السلطنة، وتخدمه الامارات العربية المتحدة وتوقظ له شمعة السعودية وينفعل بها البحرين وقطر والكويت.
نحن ملزمون أن نقول إن أيامنا كلها تجسيد للغة تنطق عن إحساسنا وانفعالاتنا، تواكب مدارسنا وجامعاتنا، تغذي النفوس الظمأى الى ثقافة حاضرة في التاريخ، سباقة على كل مجد إنساني، هي مشروع لصناعة الكتابة الإنسانية منذ ان ولد الحرف، هي من غذاه وأعطاه النفس الأول فنبت سلاما على الارض.
يمكننا التواضع في كل شيء إلا في لغتنا التي هي طالع طفولتنا وشبابنا وكهولتنا وموتنا وحياتنا وأبدية الأبد. هي صوت حاكى ماضينا، جاء من قديمه مثبتا في قرآن كريم، ثم دخل في كل مخطوطة، وصار عنوان تقدم لأمة سطعت شمسها على الغرب وتمكنت من ان تضيء تاريخها، ولولا تلك اللغة لكان ذلك الغرب عتمة وفضاء فارغا من كل نعيم.
بلغتنا العربية ابتدأ زمان الأرض، وصار للإنسان حيوية التعبير، بل صار له جناح يطير به كلما تحدث عن حاله. لغتنا كتبت للتاريخ حكايته، ذات مرة وهي ككل المرات، تعرف العالم على لغة قدمت له نفسها كهدية آلهية قادت الى تغيير واقعه. لولا لغة العرب لما كانت هنالك محطة تقدم على وجه الأرض، ولولا تلك اللغة الجميلة السلسة المطواعة الغنية الجذابة لفقدت البشرية لحن سعادتها.
صحيح أن جيلا من العرب بدأ يفقد الإحساس بلغته الأم، بعدما استهوته لغات أخرى وخاصة لغة الاستعمار القوي الولايات المتحدة كما هو رأي ابن خلدون، لكن هذا الجيل يكتشف بعد مدة انه مدين للغته التي من خلالها دخل الى لغة الآخر، لكي تنسل في لغة غير لغتك عليك ان تبدأ التأسيس بلغتك.
لن نتهاون في لغتنا، فهي ليست فقط كلامنا المحكي والمكتوب، بل هي نحن، تلك الكلمة السحرية التي تعني الكثير، حاضرا ومستقبلا وماضيا مشعا، فهل من أصالة بعد ذلك تسابق الريح كاللغة العربية التي تلخص لنا سحر اللقاء بين أبناء الأمة، وتجعلنا نوقظ الحب لبلادنا كلما التقى عربي بآخر في بلاد الغربة.
فسلام الى لغة الأصالة العربية التي دونت هذا الجمع العربي، لكي نكون عربا علينا باللغة العربية، ولكي نظل عربا علينا بها، ولكي نحلم كجمع بقدر موحد علينا بها. اأها النفس الطيب الذي يهز فينا صمودا أمام العواصف. بها نحيا وبها نكون أمة وبها نظل مثالا لتاريخ عمره آلاف السنين هي رمزه.