علي بدوان:
بغضِّ النظر عن مواقف أي طرفٍ فلسطيني من مسائل التسوية، والمفاوضات، ورفضها من أساسها، وهي العملية الغارقة أصلًا في سباتٍ عميق ومنذ سنواتٍ طويلة. عادت النغمة "الإسرائيلية" المعنونة بـ"فقدان الشريك" الفلسطيني لتُطرح على (ألسنة) العديد من قادة دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، في الحكومة الائتلافية، وفي المعارضة على حدٍّ سواء. منذ أن سَبَقَ وتم طرح تلك المقولة عن "فقدان الشريك" أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وكان آخر التصريحات الطازجة عن "فقدان الشريك الفلسطيني"، صدرت قبل أيامٍ خلت (13/9/2021) وهو ما قالته وزيرة "الداخلية الإسرائيلية"، آيليت شاكيد في خطابٍ ألقته خلال مؤتمر نظمته "جامعة رايخمن" (مركز هرتسليا متعدد التخصصات) بالتزامن مع ذكرى مرور 28 عاما على توقيع اتفاقية أوسلو، حين قالت: "إن رئيس الحكومة، نفتالي بينيت لن يلتقي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس"، مؤكدة أنه: "لا يوجد حتى أي نية لرئيس الحكومة الإسرائيلية لعقد لقاء من هذا القبيل مستقبلًا لعدم وجود شريك فلسطيني". وواصلت شاكيد التحريض على السلطة الفلسطينية، وقالت في خطابها إن "أبو مازن يحوِّل الأموال إلى الإرهابيين وهو ليس شريكًا".
نغمة "فقدان الشريك"، ليست سوى العنوان والرفض "الإسرائيلي" الواضح لــما يُسمى بـ"حل الدولتين" المطروح أمميًّا، استنادًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ولما توصلت إليه قبل سنوات اللجنة الرباعية الدولية (الكفارتيت) بشأن القضية الفلسطينية (الولايات المتحدة + روسيا + الأمم المتحدة + مجموعة الاتحاد الأوروبي).
والنغمة إياها عن "فقدان الشريك" تأتي مندرجة في سياقات معيَّنة، أولها الرفض "الإسرائيلي" العملي والتام لقيام دولة أو كيان فلسطيني على جزء من أرض فلسطين المحتلة عام 1967، حتى لو كانت في رام الله وأريحا فقط. وثانيها رفض الحكومة والمعارضة في "إسرائيل" لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ومعترف بها دوليًّا. وثالثها أن رفض قيام كيان فلسطيني ولو كان محدود المساحة فوق جزء من الأرض المحتلة عام 1967 (بعد ضم أجزاء من القدس والأغوار) ينسجم مع المواقف اليمينية واليمينية المتطرفة التي تتناغم مع تكوين وأيديولوجيا حزب رئيس الوزراء نفتالي بينيت (حزب يمينا)، وهو من مواليد العام 1972، ومن ضباط وحدة النخبة في هيئة الأركان العامة للجيش "الإسرائيلي" (سييرتمتكال)، ومن "نجوم الهايتك"، إذ كان من مؤسسي شركة 1999 لتأمين المعلومات، والتي تم بيعها عام 2005 بمبلغ 145 مليون دولار إلى شركة RSA الأميركية. وعلى الصعيد السياسي، كانت بداياته مع حزب الليكود الذي انضم إليه عام 2006، وشغل عام 2007 منصب رئيس حملة نتنياهو لانتخابات الليكود الداخلية.
ورابعها أن دولة الاحتلال "الإسرائيلي" تنتظر الوضع الفلسطيني يتآكل على ذاته، ويسير باتجاه السقوط، وبالتالي يصبح الاحتلال "الإسرائيلي" هو المخرج لكل أزمات الداخل الفلسطيني. وخامسها أن إعادة إنتاج وطرح شعارات ومواقف "إسرائيلية" قديمة منذ أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات، بثوب جديد، محاولة لتحريض الولايات المتحدة والرئيس (جو بايدن)، وبعض الدول على الفلسطينيين، شعب وقيادة وفصائل. وسادسها أن عملية استرضاء القوى المتطرفة الموجودة خارج الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، وسحبها من تحت غطاء حزب الليكود (حزب نتنياهو) يتطلب التناغم معها بالشعارات والمواقف، ومنها الشعار الأول بـ"فقدان الشريك الفلسطيني"، والشعار الثاني برفض "حل الدولتين"، وهو ما أفصح عنه رئيس الحكومة نفتالي بينيت يوم 14/9/2021، حين كرر رفض "حل الدولتين". فضلًا عن معارضة نفتالي بينيت تجميد الاستيطان، ففي 2010 شغل منصب المدير العام لـ"مجلس مستوطنات يهودا والسامرة". وفي 2012، انتخب رئيسًا لـ"البيت اليهودي"، حزب الصهيونية الدينية. وعملية تجميد الاستيطان "تدغدغ" مشاعر قوى اليمين واليمين المتطرف التي يريد نفتالي بينيت استقطابها.
وعليه، إن الحديث المُتكرر "إسرائيليًّا" عن "فقدان الشريك الفلسطيني" عملية استخدامية، وسياسة مدروسة، على مستوى صناع القرار في "إسرائيل"، خصوصًا من قبل أجهزة الأمن والجيش، والسياسة، والهدف تضييع الأمور، وخلط الأوراق وبعثرتها، وإغراق الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967 بالأزمات الاقتصادية والسياسية والتناحرية وغيرها، وشن عمليات عسكرية ضد القطاع، وهو ما يقع الآن في جزء منه بالتصعيد المتواصل على جبهة قطاع غزة، حين قالت "وزيرة الداخلية الإسرائيلية" آيليت شاكيد: "حماس لم ترتدع ونعتقد أنه من الضروري أن تكون هناك مواجهة، لكن سيكون ذلك بحسب التوقيت المناسب الذي تختاره إسرائيل". بينما كرر رئيس الأركان الجنرال آفيف كوخافي بالقيام بعمل عسكري واسع ضد القطاع قريبًا.