د. حميد بن محمد البوسعيدي:
قامت الدولة منذ بزوغ النهضة المباركة وحتى الآن، بتقديم كافة أنواع الدعم للتعليم المدرسي والعالي. وتختلف الدول في النظرة للتعليم، فهناك المدرسة البريطانية التي ترى بأن التعليم هو قمة اهتمامات الدولة وهي مسؤولة عنه اجتماعيا، لذلك قلما تجد مدارس خاصة في المملكة المتحدة. وهناك النهج الأميركي الذي أصبح يؤيد نظرية خصخصة التعليم فتم إشراك القطاع الخاص في إدارة التعليم وعلى سبيل المثال لا توجد وزارة للتعليم العالي في الولايات المتحدة. وإن كانت السلطنة قد تأثرت بمنهاج الخصخصة، ففي وقت ليس ببعيد شكلت لجنة بوزارة التربية والتعليم تعمل على دراسة تخصيص بعض المدارس الحكومية، وقد يتسق هذا التوجه مع تشجيع الدولة على إنشاء المدارس والمعاهد الخاصة حسبما ورد بالنظام الأساسي للدولة. في المقابل تختلف توجهات أولياء الأمور في تدريس أبنائهم بالمدارس الخاصة. فمنهم من يرى بأن عامل اكتساب لغة أجنبية في ظل التطور العلمي أصبح مطلبا ملحا. والبعض الآخر يرى أن التعليم الحكومي لم يصل بعد للمستوى المطلوب من حيث الجودة والتأسيس التعليمي والبيئة المدرسية مقارنة مع المدارس الخاصة، وبالتالي يرون أن تدريس أبنائهم في المدارس الخاصة هو استثمار أفضل للمستقبل. ولعل الجميع يدرك بأنه لازال هناك شبه توقف في المشاريع الإنمائية لوزارة التربية والتعليم من حيث إنشاء مدارس جديدة بشتى محافظات السلطنة، وذلك يعزى للضغط الشديد الذي واجهته الوزارة في موازناتها السنوية، الامر الذي أثر سلبا في البرامج التشغيلية السنوية للوزارة.
مع ذلك فالنظام الأساسي للدولة أعطى حلا استراتيجيا لمشكلة نقص المدارس، فنص على أن الدولة تشجع إنشاء المدراس الخاصة. ولعل أعداد المدارس الخاصة بكافة أنواعها في السلطنة في تزايد مستمر وبشكل سنوي. ولأنه استثمار مربح لمن يستغله الاستغلال الأمثل، قامت بعض صناديق التقاعد (تقاعد الدفاع) بالاستثمار في المدارس الخاصة، وذلك بإنشاء مدرستين هذا العام. ولقد حاولت جاهدا الحصول على بيانات عن أعداد المدارس الخاصة في السلطنة سواء عن طريق موقع وزارة التربية والتعليم، البحث في موقع المركز الوطني للإحصاء والمعلومات والمركز الخليجي للإحصاء. ولكن للأسف هذه المواقع يغلب عليها عدم سهولة الوصول للمعلومة، وأيضا إن وجدت فهي لبيانات قديمة. على سبيل المثال موقع وزارة التربية والتعليم يعطي رقما لعدد المدارس الخاصة التي لها مبان قائمة وهو (33) مدرسة، لكن هذا العدد يرجع لتاريخ يصعب البناء عليه. وبالتالي ما ألم هذا المقال من قصور في التحليل والمقارنة لعدد المدارس الخاصة وتكلفة الطالب بالمدارس الحكومية، يرجع أساسه إلى عدم دقة وحداثة الإحصاءات المتعلقة بقطاع التعليم، (ولعلنا نفرد مقالا موسعا يتعلق بالإحصاءات في السلطنة في قادم الأيام). والهدف من الحصول على تلك الأرقام والإحصاءات هو معرفة تكلفة الطالب في المدارس الحكومية، الأمر الذي قد يعطي مؤشرا بسيطا للتكلفة المالية التي وفرتها وزارة التربية والتعليم في حال معرفة أعداد الطلاب بالمدارس الخاصة، وذلك لأن عبء تدريس أولئك الطلاب (جلهم عمانيون) أصبحت تتكفل بها المدراس الخاصة.
القرار الوزاري الصادر في 2018م المتعلق بتحديد رسوم الخدمات التي تقدمها وزارة التربية والتعليم، حدد تقريبا (24) خدمة تقدمها الوزارة برسوم تدفعها المدارس الخاصة إذا ما أقدم أي مستثمر على إنشاء مدرسة. وعلى سبيل المثال تتفاوت تلك الرسوم من 25 ريالا لأقل رسم الى مبلغ (3000) ريال لأعلى رسم وهو المتعلق بالبيع أو التنازل عن الترخيص الممنوح للمدرسة الدولية. والغريب في الأمر أن بعضا من تلك الرسوم تمر بمراحل متعددة كل مرحلة يدفع عنها رسم. فمرحلة تقديم الطلب له رسم مالي، ومرحلة الترخيص له رسم مالي ومرحلة تجديد الترخيص له رسم مالي. وأيضا حتى معاينة مبنى المدرسة المزمع إقامتها له رسم مالي واعتماد خرائط التشييد له رسم مالي. وتأثير ذلك سواء كان مباشرا وغير مباشر هو أن الرسوم الدراسية للطالب بالمدراس الخاصة في ارتفاع مستمر لتصل في حدود المتوسط 2300 ريال سنويا وإلى 5000 ريال سنويا في بعض المدارس الدولية. خلاصة القول فإن القارئ لتلك الرسوم ينتابه سؤال بسيط، هل هذه الرسوم وعددها تقريبا (24) رسما مختلفة الأنواع والأشكال، تتسق مع مضامين نص النظام الأساسي للدولة بأن الدولة تشجع إقامة المدارس والمعاهد الخاصة؟
وإذا أمعنا النظر في الرسوم التي فرضتها وزارة التربية والتعليم من واقع القرارات الصادرة في شأن المدارس الخاصة، قد نصل الى أن إجمالي تلك الرسوم المفروضة والتي تؤثر مباشرة في ارتفاع تكلفة الطالب بتلك المدارس غير قابلة للمقارنة مع التوفير المالي في ميزانية الحكومة التي تحققت من ذهاب الألاف من العمانيين للدراسة في المدارس الخاصة،هذا التوفير المالي المباشر يصاحبه أيضا انتعاش اقتصادي واجتماعي جراء اتساع أعداد المدارس الخاصة بجميع محافظات السلطنة. في الجانب الاخر وجراء النقص في أعداد المدارس الحكومية هذا العام وصلت السعة الاستيعابية لبعض الصفوف بمحافظة مسقط الى (38) طالبا في الصف الواحد وبمرحلة الدبلوم العام. فهل شجعت الوزارة على إنشاء المدارس الخاصة ومنحتها التسهيلات اللازمة، أم فرضت رسوما متعددة الأنواع كان من الأجدى اقتصاديا وماليا إعادة النظر فيها في ظل عدم استطاعة المدارس الحكومية من استيعاب أعداد الطلاب حسب السعة المتعارف عليها في سلك التعليم وفي ظل استمرار التعليم بفترتين صباحية ومسائية ببعض مدارس محافظة مسقط. مع الشكر و التقدير نترك الإجابة للمسؤولين بوزارة التربية والتعليم.
خبير بمكتب ضمان الجودة – جامعة السلطان قابوس
[email protected]