د. سعدون بن حسين الحمداني:
نتطرق في هذا المقال إلى إتيكيت ألوان الملابس للمرأة، على أن نتطرق بالمقال القادم حول إتيكيت ألوان الملابس الرجالية، سواء داخل البلد أو خارجها والمشاركة بالمؤتمرات الدولية.
بصورة عامة تتميز البيئة العربية القديمة بالبداوة بعيدًا عن إتيكيت الألوان ومعالمها أو صفاتها لقساوة الحياة فيها، وأغلب ملابس البداوة كانت تميل إلى الألوان الداكنة بسبب ابتعادهم عن المدن المتحضرة وكثرة تنقلهم بين منطقة وأخرى.
لقد خلق الله لنا الألوان الطبيعية الخلابة بأروع ما يكون، في الصباح منذ شروق الشمس إلى غروبها تكون بأجمل الألوان الصباحية الفاتحة، أما الليل فهو لون واحد فقط وهو الأسود حتى تنعدم جمالية الروح فيه.
اهتمت معاهد ومراكز الأزياء الإسلامية كثيرًا بلون البشرة ومعالم الوجه قبل اختيار أي لون، وجعلتها المقياس الجوهري لاختيار لون الملابس وشكلها، كما اهتمت هذه المدارس بالطول والوزن بحيث تظهر المرأة بأجمل صورة تفاؤلية وخصوصًا في أوقات الصباح وأثناء الالتزامات الرسمية الحكومية وتبعد عن الألوان القديمة الكلاسيكية.
تتبارى المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام استخدام الألوان بالملابس للزي الإسلامي، سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى كبار الشخصيات وبكافة المناسبات، ويتنافسون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أهمية اللون ومدى تقبّله عند الطرف الثاني، حيث درست المدارس الدبلوماسية تأثير اللون ونوعه على نفسية الأشخاص وسلوكهم، وكانت نظريات علم النفس الاجتماعي تلعب دورًا مهمًّا في وضع استراتيجيات هذا الإتيكيت.
وأكدت معاهد الأزياء على مشتقات اللون الأبيض في النهار والألوان الداكنة في الأنشطة الليلية، وأن لكل وقت وحدث لونًا مستحبًّا ومفضلًا، وكذلك أضافت عمر المرأة والوظيفة والمنصب، كله هذه المفردات وُضِعت تحت إتيكيت استخدام اللون؛ لأن ارتداء العباءة السوداء طيلة اليوم في (الدوائر الرسمية، المولات، البيت، الأصدقاء والأهل) يعطي طابع الرتابة للحياة وعدم مواكبة التطور الجمالي للحياة.
وأدرج بعض معاني وصفات الألوان كما وردت من كليات علم النفس الاجتماعي التي تعتمد عليها مراكز الأزياء والمدارس الدبلوماسية وهي:
اللون الأبيض: يتميَّز عن سائر الألوان في وظيفته وطبيعته ودلالته، فهناك شبكة من التناسق التي تربط بين هذا اللون وسلوك الإنسان، قال تعالى: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ) (الشعراء ـ 33).
وقد وصف الله تعالى خمرة أهل الجنة بالبياض أيضًا؛ لما له من تأثير يبعث على المتعة والجمال، ولما يحمله هذا اللون من دلالة كبيرة ومهمة على الصفاء والنقاء، وكان أحبُّ الألوان إلى الرسول الكريم هو اللون الأبيض.
اللون الأسود: يتميَّز في مواضع معيَّنة وأوقات محددة وأحداث معيَّنة، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل ـ 58) وقال أيضًا: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ..) (الزمر ـ 60)، وصفة اللون الأسود في القرآن تعني الحزن والتعاسة، ويستخدم في أوقات معيَّنة ومحدودة فقط، وهذا ما نلاحظه في الحفلات الرسمية الليلية فقط لكبار الشخصيات حيث يطرأ اللون الأسود على الفساتين النسائية لبعض ساعات، وليس صفة التعاسة، وأغلب دول العالم وخصوصًا العربية ترتدي اللون الأسود في مجالس العزاء قد يستمر فترة طويلة.
اللون الأخضر: يرمز إلى التوازن والانتعاش والطمأنينة والانسجام مع العالم الخارجي؛ لأنه لون يريح القلب والعين، كما أنه لون الطبيعة، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً..) (الحـج ـ 63)، فكل الأشجار تتميَّز بدرجات مختلفة من لون الأخضر.
اللون الأحمر: يعبِّر الأحمر عن الدفء، والحب، والأحاسيس القوية، كما أنه لون من الألوان الساخنة المستمدة من حرارة الشمس، قال تعالى: (.. ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر ـ 27).
اللون الأزرق: يتميَّز بأنه الأكثر انتشارًا بالعالم، فهو يعبِّر عن الاستقرار والأمان والثقة، وقد يدل أحيانًا على مشاعر الهدوء وهو مريح للقلب والعين.
وهناك أنواع وأعداد كثيرة من مشتقات الألوان التي تعبث على الفرح والمحبة والرقي في الذوق العام بعيدًا عن الانزواء في لون واحد قديم ومعتم.
إن استخدام اللون يعكس شخصية المرأة ومدى تقبلها للتطور الحضاري الحديث، وبالتالي على المرأة الاهتمام بإتيكيت اختيار ألوان الملابس ومعرفة ما يلي: المناسبة، الوقت، الحضور، العمر، لون البشرة، الطول، الوزن، الدوام الحكومي، وقبل كل شيء الالتزام الكامل بالحجاب وبالتعاليم الإسلامية السمحة والعادات والتقاليد العربية الأصلية.
إن ظهور السيدة الجليلة حرم مولانا جلالة السلطان هيثم المعظم ـ حفظهما الله ورعاهما ـ على وسائل التواصل الاجتماعي بالألوان الصباحية التفاؤلية الراقية والبسيطة في تصميمها يعطي لنا نبراسًا على سيدات ونساء غمان الاستفادة منه، ولتكون السيدة الجليلة مثالًا للمرأة العمانية المتحضرة ومواكبة أحدث صحيات فنون إتيكيت ألوان الملابس، ونبتعد عن العباءة السوداء في حياتنا اليومية؛ لأنها دخيلة على التراث العماني والتي دخلت من دول الجوار في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
كما أنني لا بُدَّ أن أشيد بالخطوة الجريئة والراقية من قبل تلفزيون سلطنة عُمان بالفترة الأخيرة، حيث نشاهد بأن جميع المذيعات ومقدمات البرامج يرتدين العباءات والحجابات الملونة الهادئة بعيدًا عن اللون الأسود المعتم، وكذلك كثير من دوائر الدولة الحكومية التي بدأت تحذو حذوهم.