يُعدُّ الابتكار أحد أهم المقوِّمات التي تقاس بها تقدُّم الأفراد والأُمم، بل إنَّه ارتبط دائمًا بفكرة بقاء الإنسان في مطلقها، فهو العامل الأهم والأبرز في مراحل تطوُّر الإنسان، فلا يوجد تطوُّر دون ابتكار يواكب الاحتياجات، ويبحث عن حلول للمعضلات، ولا تطوُّر في مجال ما أو مكان ما دون ابتكار حقيقي يواكب التغيُّرات المكانيَّة والزمانيَّة؛ لذا فقد حرصت الدول على جعل الابتكار جزءًا أصيلًا من توجُّهها الرئيسي، وسعت إلى تخطِّي ربط القدرة الابتكاريَّة بالقدرات العقليَّة والشخصيَّة للفرد، بل أسهمت العلوم الحديثة في جعله مفهومًا مكتسبًا عبر منظومة تعليميَّة متكاملة تسعى إلى شحْذ العقول لتكون ذات قدرات ابتكارية تسهم في تحقيق التقدُّم المطَّرد الذي بات مؤشرًا مهمًّا يقيس قدرة هذه الدولة أو تلك على تحقيق التقدُّم والازدهار.
هذا ما أدركته السلطنة في طريق نهضتها الحديثة، فقد عملت على بناء منظومة تعليميَّة تحث على الابتكار وتعمل على الارتقاء بالعقول، وفتح آفاق واسعة لتقود مخرجات المنظومة التعليميَّة النُّمو المستدام الذي يحقِّق التقدُّم للوطن وللمواطن في ذات الوقت، وجاء تقدُّم السلطنة (8) مراتب في مؤشِّر الابتكار العالمي لعام 2021م؛ لتصبح في المرتبة الـ76 عالميًّا، كما تقدمت 19 مرتبة في مخرجات الابتكار ومرتبة واحدة في مدخلاته، وذلك حسبما كشفه تقرير المنظمة العالميَّة للملكيَّة الفكريَّة، ليؤكِّدَ نجاح التجربة العمانيَّة في هذا المجال، وهو تقدُّم سيعزِّز القدرات لبناء مستقبَل واعد، يضع البلاد بَيْنَ مصاف الدول الكبرى، التي تؤمن بالعلم والابتكار وسيلةً مُلهِمة في استدامة التقدُّم والنُّمو المستدام.
ولم تَكُ هذه القفزة في مؤشِّر الابتكار وليدة صدفة أو عمل فردي، بل هي جهود منظومة ممتدَّة، تؤمن بقدرة التعليم في إحداث الفارق، منظومة حصلت على المركز الـ13 عالميًّا في مؤشِّر الإنفاق الحكومي على طلبة المدارس، ليكون ذلك منطلقًا مهمًّا لتحصد البلاد المركز الأول عالميًّا في مؤشِّر نسبة خرِّيجي العلوم والهندسة من إجمالي الخرِّيجين، والعاشر عالميًّا في مؤشِّر التعليم العالي، وهو الباب الواسع الذي سيُؤهِّل تلك المنظومة للتطوُّر في باقي المؤشِّرات، مثل تحقيق السلطنة مراتب متقدِّمة عالميًّا في مجال الاقتصاد والاستثمار، حيث حازت السلطنة المرتبة الـ18 عالميًّا في مؤشِّر تدفق الرأسمال الأجنبي إلى السلطنة، بينما كانت مرتبتها الـ23 عالميًّا في مؤشِّر إنتاج التطبيقات الرقميَّة، والمرتبة الـ24 عالميًّا في مؤشِّر الخدمات الحكوميَّة الإلكترونيَّة.
إنَّ تلك النجاحات التي تشهد بها أكبر جهة عالميَّة مسؤولة عن الملكيَّة الفكريَّة لم يكن ليكتب لها النجاح لولا التخطيط المدروس القائم على خطط وبرامج مدروسة، بالإضافة إلى التجاوب والتعاون بَيْنَ المؤسَّسات ذات العلاقة، وارتفاع المبادرات المرتبطة بمخرجات الإبداع، ومنها التطبيقات الرقميَّة التي أطلقها الشباب العماني، وكان لها الأثر الإيجابي في التغلُّب على التحدِّيات التي يواجهها المجتمع في هذا المجال. ويبقى أن تحافظ البلاد على تلك المكانة، بل تعمل على السَّير في اكتساب المزيد من الخبرات التي تولد النجاحات في مجال الابتكار، وتحصد نِسبًا أعلى في السنوات القادمة، وذلك في ظل رؤية طموحة تمَّ إعدادها بشكل يتناسب مع القِيَم العالميَّة الحديثة، وراعت في إعدادها الاحتياجات الأساسيَّة للمجتمع العماني، وهي رؤية (عُمان 2040) التي تعوِّل عليها القيادة العمانيَّة لصناعة مستقبل أفضل للأجيال في المستقبل.