علي بدوان:
سَجَّلَ مخيم جنين الواقع شمال الضفة الغربية أسطورة جديدة، تضاف إلى تاريخه، وتاريخ أبنائه من لاجئي منطقة قرى حيفا من فلسطين المقيمين في المخيم، حيث غالبية سكانه من قرى حيفا، وذلك من خلال صموده البطولي أولًا. ومن خلال بروز حالات كفاحية متميزة من أبنائه كان منهم زكريا زبيدي، ومحمود طوالبه ثانيًا، زكريا زبيدي ومحمود طوالبة الشابان المقدامان اللذان كان منهما زكريا زبيدي من بين الأسرى الستة الذين استطاعوا شق طريق والخروج من سجن جلبوع، ووقوع زكريا زبيدي اللاحق بين سلطات الاحتلال "الإسرائيلي"، حيث تعرض للتعذيب القاسي. بينما برز محمود طوالبة في معركة مخيم جنين في نيسان/أبريل 2002.
أسطورة مخيم جنين ليست بخروج عددٍ من الأسرى، وتحرير أنفسهم من سجن جلبوع، بل بتاريخ أبناء مخيم جنين أثناء الانتفاضة الكبرى الثانية، وتحديدًا عام 2002، عندما تم تدمير المخيم على يد قوات الاحتلال "الإسرائيلي" وسلاحه الجوي، وهي فترة حصار رام الله ومناطق مختلفة من الضفة الغربية، بما في ذلك حصار الراحل ياسر عرفات في منطقة المقاطعة في رام الله.
صمود مخيم جنين ومن حينها تم على يد قوى المقاومة من زكريا الزبيدي من حركة فتح، إلى محمود طوالبة من حركة الجهاد الإسلامي، إلى جمال أبو الهيجاء من حركة حماس... فسطروا بذلك مسار المقاومة في مواجهة الاحتلال بمعركة مخيم جنين. وكانت قد دارت في مخيم جنين معركة في بداية انتفاضة القدس والأقصى، واقتحمت قوات الاحتلال في نيسان/أبريل العام 2002 المخيم، واستشهد خلال عشرة أيام ما لا يقل عن 52 فلسطينيًّا نصفهم تقريبًا من المدنيين، ودمر قرابة 150 بناية كليًّا، والعشرات جزئيًّا، وشرِّد حوالي 435 عائلة. كما قُتل خلال هذه الاشتباكات 23 جنديًّا إسرائيليًّا على يد المقاومين الفلسطينيين.
مخيم جنين، وجل أبنائه من قرى مدينة حيفا القريبة من البحر، والتي أقام عدد من لاجئي تلك القرى في مخيم جنين، ومخيم طولكرم بالقرب منها، وكان معهم، ويدًا بيد، أبناء القرى المجاورة، ومنها قرية (عرابة) التي خرج من أسرى سجن جلبوع عدد من أبناء تلك العائلة (عائلة عارضة) من بلدة عرابة، والمعروفين بصمودهم وكفاحهم في الانتفاضتين الأولى والثانية وحتى الآن. إنها بلدة الشهيد أبو علي مصطفى نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي استشهد عام 2002 في رام الله، وتم دفنه في مثواه قبل الأخير على أرض بلدة (عرابة) القريبة أصلًا مخم جنين.
وفي الأسبوع الأخير، ومع واقعة أسرة سجن جلبوع وتحرير أنفسهم ثم إلقاء القبض عليهم من قبل سلطات وجيش الاحتلال "الإسرائيلي"، فإن مجموع القوى الفلسطينية جاهزة لمواجهة تهديدات الاحتلال باستهداف مخيم جنين أو مدينة جنين على حدٍّ سواء، وزاد التوتر في المخيم مع إعادة اعتقال الأسير زكريا الزبيدي، وتعرضه للتعذيب القاسي جدًّا خلال التحقيق.
وفي هذا السياق، لم يستبعد رئيس أركان "الجيش الإسرائيلي"، الجنرال أفيف كوخافي، شن عملية عسكرية في منطقة جنين أو قطاع غزة. وقال للقناة 12 التلفزيونية: إن "الخطط موجودة، وممكن أن نشن عملية كلما احتجنا إلى ذلك. وإذا زاد حجم الهجمات التي تنطلق من مدينة جنين بشكل عام، أو مخيم اللاجئين (مخيم جنين) بشكل خاص، فقد يكون من المحتم إجراء عملية تطهير في هذه المنطقة". لذلك تم قبل أيام الرد على تصريحات لأفيف كوخافي من قبل القوى الفلسطينية، بالتأكيد على قيام غرفة العمليات الموحدة من مجموع القوى الفلسطينية الموجودة على أرض الواقع لمواجهة أي عدوان "إسرائيلي" محتمل ضد مدينة جنين أو مخيمها.
لقد صمدت جنين ومخيمها، جنين عز الدين القسام، التي استشهد على أرضها، وفي قرية (يعبد) على وجه التحديد، وقبله الشهيد فرحان السعدي، وأبطال (سيلة الحارثية) و(سيلة الظهر)... إنها جنين، وهو مخيم جنين، مخيم البطولة، ومخيم العودة إلى حيفا وقرى حيفا وكل فلسطين.