عادل سعد:
ماذا يمكن أن تكون نوعية الأصداء في مقر الأمم المتحدة لو أن أمينها العام أنطونيو جوتيريش استعاض في تقريره خلال افتتاح دورة اجتماعها السنوي الحالية بوثائق مصورة عما يجري في العالم من مشاهد مروِّعة ويدعو المجتمع الدولي إلى إنصاف الضحايا، مشهد "كوفيد19" وهو يتسلى بأوجاع المصابين بسمومه، أكثر من مشهد واحد لفيضانات كاسحة، حرائق، جفاف، انقراض بالجملة لحيوانات وكائنات حية أخرى، اتهامات بالإهمال البيئي، ملايين من البشر يبحثون في القمامات ليسدوا بها أرماقهم، مشاهد عدم يقين، تخبط، فساد، مخلفات غزوات ملامح خصومات بدأت تسخّن مياه المحيطات الثلاثة، الأطلسي والهندي والهادئ، عيِّنات اشتباك، ملاسنات على عناوين، شبه جزيرة القرم، سد النهضة، مشاهد من مطار كابل، مناورات بحر الصين، القلق الأميركي الأوروبي من تمدد شركة فاجنر الأمنية الروسية في إفريقيا، اكتظاظ فضائي، ضعون مهربي مخدرات، منظومات ابتزاز، سطو على ملكيات فكرية، تغول سيبراني والعبث في أسبقيات الآخرين، التسلل خلسةً إلى صناديق الانتخابات وليس الوقوف في الطابور للإدلاء بالأصوات، استنساخ ماركات، تحريف وثائق..
على مسؤوليتي التشخيصية، أن جوتيريش أصلحْ مسؤول دولي يجيد عرض تلك المشاهد على الطاولة؛ لأني لم أستطع أن (أمسكه) في يوم من الأيام في لقطة له وهو يبتسم منذ توليه هذا المنصب.
لقد غطت على طرافته الهموم الدولية رغم كل ما قيل عنه إنه يملك خزينًا من الطرائف وصاحب خطوة في ترطيب الأجواء، ويمتلك ناصية للتهوين من الأحداث.
الأهم الأصعب، أن يلعب الأمين العام على المكشوف في تقديم كشف حساب عن المصير المعتم الذي ينتظر البشرية إذا لم تستعاد روح المبادرة الدولية التضامنية بعيدًا عن نزعة كسر الإرادات التي ما زالت خيارًا عاملًا مع الأسف.
لا شك أن آلة التحدي الصيني الروسي تشتغل الآن لمواجهة أصداء الإطار الأمني الثلاثي الأميركي البريطاني الأسترالي الجديد، ولا شك أيضا أن فرنسا ستلجأ إلى معالجة ما أسماه وزير خارجيتها لودريان طعنة في الظهر ارتكبتها أستراليا بخسارة باريس فرصة ثلاثين مليار يورو ثمن صفقة بيع غواصات تمَّ التعاقد عليها منذ عام 2016، أول الغيث الفرنسي أن باريس استدعت سفيريها في واشطن وكانبيرا للتشاور في خطوة غير مسبوقة.
في كل الأحوال لن تستطع الأمم المتحدة أن تصلح في دورتها الـ76 ما أفسدته نزعة المغالبة الجديدة.
دول النفوذ هي الآن في خط الشروع لاختبار ما عزمت عليه، لكن حتميات الخسائر ستعيد النبض لحساب التعافي، هكذا هي المعادلات السياسية، خصوصًا مع ترك الأبواب مواربة، وإذا كان السياسي الألماني المحنك بسمارك يؤكد (الموقف الأفضل دعوة خصمك لتناول العشاء معك)، أو ما قاله هنري كيسنجر (الدبلوماسية هي فن تقييد القوة) فلن يكون بعيدًا أن تشتغل خطوط الهاتف بين المتغالبين لتلافي التصعيد.
الحال، لا دولة لديها الآن فائض قوة لتمارس تحديًا مفتوحًا؛ لأن كلفته ستكون باهظةً في الوقت الذي ينشد فيه العالم متوالية واضحة من أجل لملمة أوضاعه بالمزيد من التكاتف والتضامن والتداول أمام ضغوط هائلة ومتنوعة.
إن النزوع إلى تقاسم الفرص والسعي لتصنيع قدرات مشتركة للتعاطي مع المفآجات واحد من الخيارات المصيرية التي ينبغي أن تملي شروطها على الواقع الدولي لمواجهة الاحتمالات الأسوأ.
لقد كان العالم النفسي الشهير فرويد إذا أراد السفر بالقطار يأتي قبل ساعات إلى المحطة معللًا حضوره المبكر باحتمال أن تكون إدارة القطارات قد غيَّرت مواعيد الحركة، أو أن قرارًا اتخذ بتقليص عدد العربات ويفقد أمله بالحصول على مقعد له، أو أن حدثًا قد يحصل ويوقف الحركة، لذا عليه أن يتدبر حاله في التعاطي مع هذه المتغيرات.
في المشهد الدولي العام لا أحد يستطيع أن يضمن حجم قائمة الاحتمالات الآن، وإذا كان "كوفيد19" (بمتحوِّلاته وأجياله) ما زال يتصدر الواجهة فإن على العالم أن يتدبر أمره للمزيد من المفاجآت.
لا وقت للإفراط في الانتظار، هموم العائلة الدولية تتفاقم، وإذا كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون قد أودعَ لديها توصية الحرص على غسل الأيدي بالماء والصابون حفاظًا على صحة البشرية، فليس أمام جوتيريش إلا أن يوصي، اجهدوا أنفسكم في الذهاب مباشرةً إلى حسن التدبير القائم على الشراكة في (تعزيز التشبث بالأمل، السعي إلى خفض التوترات، إعادة بناء الاستدامة، الاستجابة لاحتياجات كوكب الأرض).
بقناعة خالصة، ليس من اختصاص الأعاصير أو العواصف تدبير صداقات.