تميَّزت الدولة العمانيَّة الحديثة بإعداد خطط وبرامج تواكب التطوُّر العالمي، ما أهَّلها لتحقيق قفزات كبرى على مدى العقود الخمسة الماضيَة، وحقَّقت على أرض الواقع نجاحات كبرى في القطاعات الوطنيَّة كافَّة، كما أنَّها استطاعت ـ بفضل هذا التخطيط الجيِّد ـ تخطِّي العديد من الأزمات العالميَّة باقتدار ورسوخ، حافظت عبرها على المنجزات التي تحقَّقت على مدار الخطط الخمسيَّة التاسعة الماضيَة، وشرعت بطموح يسعى لتحقيق مستقبل أفضل عبر رؤيتها الوطنيَّة "عُمان 2040"، والتي تُعد الخطَّة الخمسيَّة العاشرة أولى خطواتها التنفيذيَّة، مسترشدةً بالرعايَة الكريمة والتَّوجيهات السَّاميَة لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لتبدأ مرحلة جديدة بإحداث نقلة نوعيَّة لمسيرة التَّنمية في السلطنة. وهي خطَّة تنفيذيَّة محدَّدة الأهداف ذات الأولويَّة، مصحوبة بمؤشِّرات لقياس الأداء ضمن منظومة متكاملة للمتابعة والتقييم.
تُمثِّل الخطَّة الخمسيَّة العاشرة بدايَة انطلاقة «عُمان 2040» التي ترتكز على أربعة محاور رئيسة هي «الإنسان والمجتمع» و«الاقتصاد والتنمية» و«الحوكمة والأداء المؤسسي» و«البيئة والاستدامة»، وتتفرع منها 14 أولويَّة وطنيَّة و88 هدفًا استراتيجيًّا و68 مؤشِّرًا لقياس الأداء، وتتمثَّل الأولويَّات في التعليم والبحث العلمي والقدرات الوطنيَّة والصحَّة والمواطنة والهُويَّة والتراث والثقافة الوطنيَّة والرَّفاه، والحمايَة الاجتماعيَّة، والقيادة والإدارة، والاقتصاد والتنويع الاقتصادي، والاستدامة الماليَّة، وسوق العمل والتشغيل، والقطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي، وتنميَة المحافظات والمُدن المستدامة، والبيئة والموارد الطبيعيَّة، والتشريع والقضاء والرقابة وحوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع.
ومن هذا المنطلق، فقد نشرت وزارة الاقتصاد أمس الأول النُّسخة الإلكترونيَّة من «مجلد البرامج الاستراتيجية» إحدى وثائق خطَّة التَّنمية الخمسيَّة العاشرة (2021 – 2025) الذي يتضمن 430 برنامجًا موزعة على محاور الخطَّة الأربعة والأولويَّات السَّالفة، إضافةً إلى أولويَّة تطوير قطاع الشباب وتقنية المعلومات والاتصالات، حيث تسعى الحكومة إلى إعداد إطار لمتابعة تنفيذ برامج الخطَّة وتقييم نتائجها، من خلال مجموعة من مؤشِّرات قياس الأداء الذكيَّة، التي تتضمن مؤشِّرات لقياس توافر المدخلات، ومؤشِّرات تقيس تحقُّق النتائج أو وجود مخرجات ملموسة، ومؤشِّرات لتقييم تحقق الأثر النهائي للبرامج، اعتمادًا على مؤشِّرات رؤية «عُمان 2040» وتُعدُّ الخطَّة وثيقة حيَّة يمكن تحديثها في ضوء التطوُّرات المحلِّية والدوليَّة، بحيث تتماشى البرامج مع هذه التطوُّرات.
إنَّ ما تحمله الخطَّة الخمسيَّة العاشرة من أهداف طموحة تحتاج إلى مشاركة واسعة من قطاعات المجتمع العماني كافَّة، والمتمثِّلة (الأهداف) في تحسين تصنيف السلطنة في عدَّة مؤشِّرات عالميَّة، وزيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلِّي الإجمالي بنسبة 90 في المئة، ورفع معدَّل نُمو الناتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي إلى خمسة في المئة، ورفع نسبة الاستثمار الأجنبي من إجمالي الناتج المحلي إلى عشرة في المئة، ورفع نسبة إسهام القطاعات غير النفطية في الناتج المحلِّي الإجمالي إلى أكثر من 90 في المئة، ورفع حصَّة القوى العاملة العُمانيَّة من إجمالي الوظائف المستحدثة في القطاع الخاص إلى 40 في المئة. فهي خطَّة تبلورت من الاحتياجات الوطنيَّة، وتمَّ إعدادها بشكل تشاركي، باستخدام منهجيَّة التخطيط بالنتائج، حيث تركِّز الخطَّة على وجود مخرجات ملموسة على أرض الواقع، يشعر بها المواطن والمستثمر، وتُسهم هذه المخرجات في تحقيق أهداف الرؤيَة، لتصبح عُمان في مصاف الدول المتقدِّمة، وهي المكانة التي تستحقُّها السلطنة، حيث تهتم وزارة الاقتصاد وفريق عمل الخطَّة ومجموعات العمل بتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل عددًا أكبر من المشاركين في إعداد الخطَّة، وتمثيل جميع الجهات الحكوميَّة المعنيَّة ذات الصِّلة والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ لتصبح كُلُّ الأطراف مالكة ومعنيَّة بتنفيذ البرامج الاستراتيجيَّة، وتحقيق أهدافها، وبتوفير الموارد اللازمة كافَّة؛ لتحقيق البرامج، والتعامل مع التحدِّيات التي قد تواجه التنفيذ.