محمد عبدالصادق:
أخيرا بعد توقف وطول غياب، تعود الأنشطة الحياتية بكافة أنواعها؛ الاجتماعية والاقتصادية والرياضية، وإن عادت مع اتخاذ التدابير والإجراءات الاحترازية، من ارتداء الكمامة ومراعاة التباعد والالتزام بالسعات المقررة من قبل الجهات الرسمية، ولعل آخر تلك الانفراجات كانت عودة صلاة الجمعة للمساجد بعد طول إغلاق منذ ظهور وباء كورونا في مارس 2020م.
على الجميع الحفاظ على نعمة العودة والعمل على استدامتها واستمرارها، بتجنب الممارسات التي من شأنها انتقال العدوى، فلا داعي للاستقواء بقوة المناعة أو الحصول على اللقاح؛ فأعرف كتيرين أصيبوا بكورونا رغم حصولهم على اللقاح، وإن جاءت إصاباتهم خفيفة ومرت بسلام بسبب التطعيم.
مع إيماني بأهمية اللقاح لعدم وجود بدائل عنه، ولكن هذه اللقاحات رغم فاعليتها، ما زالت لقاحات تجريبية تم التوصل إليها في فترة سنة من ظهور "كورونا" وهي فترة قصيرة، وجميعها يخضع للتطوير حاليا، لتستطيع مواجهة السلالات والتحورات الجديدة للفيروس، والحديث الآن عن فترة الحصانة التي توفرها اللقاحات وهي تتراوح في أحسن الأحوال بين 6 و8 أشهر، وإن كان الشيء المبشر أن نسبة الوفيات تراجعت بدرجة كبيرة في البلاد التي وصلتها الموجة الرابعة من كورونا مما يعطينا الأمل أن يضعف الفيروس حتى يصير دور برد يمكن القضاء عليه بسهولة.
السلطنة من الدول القلائل في المنطقة التي استطاعت تطعيم الطلاب أكثر من 12 عاما باللقاحات المضادة لكورونا، وبدء العام الدراسي الجديد على الأرض بعد عامين من توقف الحضور المدرسي، والتحول إلى التعليم الافتراضي والدراسة عن بعد، مع ما خلفه هذا النوع من الدراسة من أضرار دراسية ونفسية على الطلاب والمعلمين والعملية التعليمية برمتها، فالمدرسة ليست مكانا لتلقي العلوم فحسب، بل هي الأداة الرئيسية لنمو وتطور الطلاب اجتماعيا ونفسيا وبدنيا وعلميا، والعلاقة المباشرة بين الطالب ومعلمه لا يضاهيها مطلقا جلوسه أمام شاشة الحاسوب وهو جالس بمفرده يرتدي ملابس المنزل وربما غالبه النوم وهو يستمع لشرح المعلم الذي ينظر إلى الكاميرا دون تفاعل حقيقي مع الطلاب.
معظمنا ما زال يتذكر رغم مرور عشرات السنين اسم وملامح أول معلم أو معلمة استقبله في سني دراسته الأولى، وكيف كان لهذه العلاقة تأثير قوي في بناء شخصيته وتكوينه النفسي ومستقبله الدراسي، وعن نفسي ما زلت أتذكر اسم وملامح المعلمة التي استقبلتني عندما وطأت قدماي باب الفصل في أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة، وربما لا أتذكر اسم الدكتور الذي حضرت أمامه الاختبار الشفهي عند تخرجي من الجامعة.
أزعجني جدا سماعي عن تبرم بعض المعلمين من كثرة عدد الحصص المدرسية أو ما يسمى بـ"النصاب"، فبعد توقف موسمين دراسيين عن الدخول للحصص المدرسية والتعامل مع الطلاب بشكل مباشر، كنت أعتقد أن جميع المعلمين متلهفون لعودة الدراسة بشكلها الاعتيادي، وأنهم سيقبلون بحماس وهمة على لقاء طلابهم الذين حرموا من لقائهم جراء كورونا، وأنهم سيسعون بكل ما أوتوا من قوة لتعويض هؤلاء الطلاب ما فاتهم من دروس.
ففي أوروبا والدول المتقدمة، كان شاغلهم الأكبر قبل استئناف الدراسة على الأرض، هو كيفية "ردم الفجوة المعرفية" التي نتجت من ابتعاد الطلاب عن مقاعد الدراسة، ووضعوا خططا وجداول إضافية يتم تنفيذها بعد انتهاء اليوم الدراسي، يقوم خلالها المعلمون بإعادة شرح الدروس القديمة التي تلقاها الطلاب "أون لاين" في العامين الماضيين، خصوصا الدروس المرتبطة بما يدرسونه هذا العام في الحساب والرياضيات والكيمياء والأحياء والفيزياء، حيث من الصعوبة حل مسألة جبر أو حساب مثلثات في الصف الثاني عشر دون أن تكون ملما بالقوانين التي تم تدريسها في الصفين العاشر والحادي عشر، ولم نسمع عن شكوى للمعلمين من هذا العبء الإضافي.
على المعلمين أن يحمدوا ربهم أن مهنتهم من المهن القليلة التي لم تتضرر جراء كورونا، فهناك وظائف اختفت ويقف أصحابها في طابور البطالة ينتظرون الفرج، وهناك موظفون فقدوا نصف دخلهم بسبب الجائحة واضطروا للاستدانة للوفاء باحتياجات أسرهم.