د. حميد بن محمد البوسعيدي:
خطة التنمية العاشرة (2021-2025)، تعتبر أولى الخطط التنفيذية لرؤية عمان 2040م. هذه الخطة هي استشراف لمستقبل أفضل للمواطنين، لأن إعدادها يتطلب وقتا وجهدا غير عاديين، ولأن جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ كان في قمة هرم الإعداد خطوة بخطوة، وحاليا كل مواطن يتطلع للمشاركة في التنفيذ رغبة في الوصول إلى نتائج ملموسة تلبي الطموحات العظيمة لأهداف الخطة. حيث نشرت وزارة الاقتصاد مؤخرا المجلد الإلكتروني للخطة الخمسية العاشرة، وما يميز الخطة هو أن تنفيذها جاء في ظل ظروف بالغة التعقيد، منها على سبيل المثال، تراكم الدين العام الحكومي والاختلالات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد 19، التي يتنبأ أن تكون تأثيراتها السلبية على النمو الاقتصادي للسلطنة لأعوام قادمة. في هذه العجالة لا نستطيع أن نعطي الخطة حقها من التحليل والمقارنة لغزارة البيانات والأهداف الموضوعة، ولأن معدي هذه الخطة هم كفاءات عمانية اقتصادية أكثر علما في التخطيط الاقتصادي، مع ذلك سوف نستغرض أهم الأسس والفرضيات التي بنيت عليها هذه الخطة.
الخطة تبنت أسعار النفط بأسلوب سنوي حذر (45 ـ 45 ـ 50 ـ 50 ـ 50) دولارا للبرميل، وبالتالي الاقتصاديون فطنوا لمدى خطورة وضع أسعار النفط بمتوسط سعر مرتفع كما حدث في الأعوام السابقة، عندما بلغ السعر الافتراضي لمتوسط سعر النفط لمستوى 85 دولارا للبرميل، الأمر الذي أدى الى تضخيم الإيرادات النفطية وبالتالي تم التوسع في الإنفاق الحكومي. إلا أن تلك الفرضية ما لبثت أن اصطدمت نهاية المطاف بتذبذب كبير في سعر النفط على المستوى العالمي حيث هوت الأسعار إلى مستويات متدنية وصلت إلى أقل من 30 دولارا للبرميل الأمر الذي لجأت فيه الحكومة الى سد النقص الشديد في السيولة المالية عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي. أدى هذا كله إلى ارتفاع نسبة الدين الحكومي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي من (33.5%) في 2016م إلى (79.7%) في 2020م، هذا الارتفاع أعطى مؤشرا في غاية الأهمية الى العمل على كبح هذا الارتفاع في الدين الحكومي والعمل على تخفيضه لمستويات آمنة لكي يساعد أيضا في الحد من الهبوط التدريجي للتصنيف الائتماني للسلطنة ضمن مؤشرات وكالات الائتمان العالمية، فيش، موديز وستاندر أند بورز. حيث إن الحد في انخفاض التصنيف الائتماني يساعد في تحسين قدرة المالية العامة من الإقراض الخارجي بأسعار أفضل. كما أن الجهات الحكومية ممثلة في وزارة المالية، تعمل حاليا على إصدار قانون الدين العام، ليكون إطارا تشريعيا يساعد في رسم وتخطيط السياسات المالية المتعلقة بالدين العام.
أيضا تضمن الإطار المالي للخطة العمل تدريجيا على تخفيض العجز المالي للموازنة من 2,240 مليار ريال في 2021م لكي يتحول ذلك العجز الى فائض مالي بمبلغ وقدره 65 مليون ريال في 2025م. بالمقابل شكلت المصروفات الجارية للوزارات المدنية مبلغا وقدره 4,075 مليار ريال في 2021م ولكن ذلك المبلغ سوف ينخفض الى 4,015 مليار ريال في عام 2025م. إلا أن مصروفات الأمن والدفاع سوف ترتفع من 2,954 مليار ريال في 2021م، الى مبلغ 3,030 مليار ريال عام 2025م. وأشارت الخطة ايضا الى أن الدعم الحكومي للكهرباء سوف ينخفض تدريجيا من 500 مليون ريال في 2021م الى 145 مليون ريال عام 2025م وبنسبة انخفاض في الدعم بلغت 71%، وايضا انخفاض الدعم المتعلق بالمياه من 90 مليون ريال في 2021 الى 20 مليون ريال في عام 2025م، وبنسبة انخفاض في الدعم بلغت 77%. هذا الانخفاض يطرح عدة أوجه منها، أما أن الدولة مستمرة في إعادة هيكلة قطاعي الكهرباء والمياه لتكون تلك القطاعات مستقلة ماليا وعدم الحصول على دعم مالي سنوي من الحكومة، أو أن الدعم الحالي للكهرباء والمياه، سوف يوجه في الأعوام المقبلة للفئات المستحقة وتحميل هذا الدعم للفئات الاخرى ذات القدرة المالية، وفي حالة عدم اليقين يصعب التكهن بأي السيناريوهات سوف يتم اختيارها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
ولعل جانب تشغيل الباحثين عن العمل، من الملامح المهمة للخطة، فعلى الرغم من التقدم الإلكتروني في الأنظمة المعلوماتية، ووجود المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، إلا أن الخطة نشرت أعداد الباحثين عن العمل طبقا لتعداد السكان والمساكن والمنشآت لعام 2020م وهو أن عددهم يزيد قليلا عن 65 ألف باحث عن عمل، بالرغم من مرور أكثر من 10 أشهر على انتهاء التعداد، وكان من الأجدى تحديث هذه البيانات لتكون بتواريخ متقاربة مع تاريخ نشر مجلد الخطة في شهر سبتمبر من هذا العام. والملاحظ من بيانات الخطة أن نسبة الباحثين عن العمل الذين تزيد الفترة الزمنية التي قضوها في البحث عن عمل تزيد على 3 أعوام تصل نسبتهم 62%، و بعدد يزيد على 41 ألف باحث عن عمل. كما أن عملية عدم تحديث البيانات يشمل أيضا، توزيع العمالة الوافدة في شركات القطاع الخاص، حسب مستوى المهارة، حيث إن البيانات كانت لبيانات عام 2019م. هذا القصور في عدم تحديث هذه البيانات الإحصائية قد لا يعكس الصورة الحقيقية لعدد الباحثين عن العمل من العمانيين وايضا عدد غير العمانيين ذوي المهارات العالية أو المنخفضة. واتساقا مع توجه الدولة نحو تسريع حصول المواطنين على وظائف بالقطاع الخاص، فمن الأهداف الاستراتيجية التي أشارت إليها الخطة، هو الهدف المتعلق بتقليل مستوى تفاوت الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص والمتضمن مبدأ الحوافز المرتبط بالانتاجية، ولعل الجميع سواء في القطاع الحكومي أو الخاص يتطلع قبل نهاية هذا العام، أن تقوم الجهات الحكومية بتسريع إصدار قانون العمل وقانون الوظيفة العامة.

* خبير بمكتب ضمان الجودة – جامعة السلطان قابوس
[email protected]