سيف بن خلفان الكندي:
يعتبر ملخص مجلــد البرامــج الاستراتيجية من الوثائــق الاسترشادية المهمة لخطــة التنميـة الخمسـية العاشـرة (2025 ـ 2021) للسلطنة والذي تضمن (14) أولوية وطنية انبثق منها (430) برنامجًا استراتيجيًا للخطة.
وقد لفت انتباهي وتحديدًا ضمن البرامج المنبثقة عن أولوية التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية، بأنه قد تم التركيز على دعم الابتكار التعليمي وتطوير منظومة الابتكار والريادة ونشر الوعي وتعزيز ثقافة البحث العلمي والتطوير والابتكار، وكذلك هناك مبادرة أخرى تتمثل في إنشاء أكاديمية الملكية الفكرية والمكتب الوطني للملكية الفكرية مما يؤكد الاهتمام بهذا الجانب المهم لحفظ حقوق الملكية الفكرية للمبدعين وحماية ابتكاراتهم، إضافة الى إيجاد برنامج وطني لرعاية الموهوبين وبالتالي الاهتمام بهذه الفئة من المتفوقين علميًا وتعزيز مواهبهم الإبداعية منذ الصغر، وكذلك أوضحت تلك الأولوية السعي لإنشاء مبادرة الصندوق الوقفي لدعم البحث العلمي والابتكار في جامعة السلطان قابوس والتي ستساهم في إيجاد التمويل المالي اللازم لدعم مشاريع البحث العلمي والابتكار.
كما توجت تلك الأولوية الوطنية ببرنامج جديد عبر إيجاد كرسي البحث والابتكار في مجال المدن الذكية بجامعة السلطان قابوس وهو مجال يواكب الطفرة العمرانية الحديثة التي تشهدها المدن العصرية في مختلف دول العالم، فجميع تلك البرامج سوف تساهم في إيجاد بيئة مناسبة لاقتصاد المعرفة التي تعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي التي تعتمد على توفر تكنولوجيا خدمات الاتصالات والمعلومات وتفعيل الحكومة الإليكترونية، إضافة الى ذلك فقد أوضح المجلد بأنه ومن ضمن البرامج التي تسعى اليها تلك الأولوية، تفعيل البنية الرقمية وثقافة الرقمنة في قطاع البحث والتطوير والابتكار.
ولا يختلف اثنان على أن اقتصاد المعرفة في عصرنا الحالي يحتاج الى رقمنة الخدمات في ظل تسارع واتساع الحاجة الى الخدمات الرقمية التي تعتمد على رکائز أساسية وهي القاعدة التكنولوجية والقاعدة المعرفية وقاعدة الخدمات، كما حددها الباحث الأستاذ الدكتور محمد عزت سعد محمود والأستاذة الدكتورة نرمين كامل محمد الجداوي من جامعة حلوان والمهندسة مها على شوقى ضمن فريق العمل الذي قام بدراسة ريادة الأعمال وطرق الوصول إلى منهجية علمية وأساس يعتمد عليه المصمم لكي يكون شخص ريادي ناجح.
اذ تمثل ريادة الأعمال الركيزة الأساسية لدعم اقتصاد المعرفة باعتبارها المحرك الأساسي لدعم الأعمال الصناعية والهندسية والتقليدية، وقد أوصى الفريق خلال دراسته بضرورة اهتمام رائد الأعمال بنموذج ريادة الأعمال المعتمد على اقتصاد المعرفة كنموذج أساسي وأن يكون لدى رائد الأعمال اهتمام بتنمية مهاراته المعرفية والإدراكية والتنظيمية وتنميتها وضرورة التزام رائد الأعمال بتحديد مستوى المؤسسة وقياس مستوى أدائه مقارنة بالهدف الموضوع وقياس ذلك بصفة مستمرة مع ضرورة اهتمام رائد الأعمال بالتعامل مع ذوي الخبرة في التخصص لرفع مستوى أداء المشروع الريادي.
وعلى سبيل المثال تعتبر التجربة السنغافورية مثالًا ناجحًا في تطوير وتنمية اقتصاد المعرفة، حيث قام المعنيون بالتخطيط بإدخال نظام تعليم مبني على القدرات مع التركيز على الإبداع والابتكار في البنية المؤسسية في جميع المراحل التعليمية، وذلك بهدف تطبيق رؤية التعليم التي حملت ثيمة
(مدارس تفكر، مجتمع يتعلم(، كما ركزت على تعزيز مفهوم الابتكار وترسيخه من خلال زيادة الاعتمادات وتعزيز المشاركة الفاعلة لكافة الأطراف ذات العلاقة بالجهود الابتكارية، وخاصة الشركات الأجنبية بها، ثم جاءت مبادرة مخطط الأمة الذكية التي أطلقتها سنغافورة بهدف تنمية القدرات البشرية للوصول لمستويات التنافسية العالمية، وتقوم فكرتها على تحويل سنغافورة إلى دولة ذكية ومدينة عالمية معززة بالمعلومات والاتصالات، من أجل تعزيز طريقة عمل الناس حيث أطلقت عدة برامج كان من بينها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تقديم الخدمات الحكومية بشكل أوسع على الهاتف، كما أطلقت برامج لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على استخدام تقنية المعلومات وكذلك توفير بيئة ملائمة للابتكار والتسويق التجاري..
وغيرها من البرامج التي جعلت من سنغافورة تدخل عالم اقتصاد المعرفة من أوسع أبوابه وتستفيد من مقدراته في دعم اقتصادها المتنامي.
ومما سبق يتضح لنا جليًا أهمية تفعيل اقتصاد المعرفة ولا يتأتى ذلك الا بتشجيع جوانب الابتكار والابداع في بيئات العمل بمؤسسات القطاعين العام والخاص ورقمنة الخدمات بشكل أوسع، فهو يعد من أهم عناصر اقتصاد المعرفة باعتباره يمثل قيمة مضافة بما يكفي لتحقيق فائدة للمؤسسة عبر توفير الجهد والزمن وخفض تكاليف التشغيل وفي نفس الوقت ابتكار منتجات وخدمات تعمل بكفاءة أكثر بتلك المؤسسات.

*نائب الأمين العام المساعد للإعلام والعلاقات العامة مجلس الشورى