د.خلفان بن محمد المبسلي:
لا يختلف اثنان بأن:(المعلم رسول الأمة، وهدي للأجيال الطالعة، ونبراس ساطع لفتيان الغد أمل المستقبل الزاهر..) وقراءة للعبارة السابقة ندرك من خلالها تشبيه المعلم بالرسول المبعوث لإصلاح البشرية وتعليمها وإنقاذها من صنوف الجهالة المتعددة.
كما وصف بأنه قدوة يجب أن يحتذي به طلبة العلم الذين يتلقون العلم على يديه، كيف لا وهو الشعلة المنيرة لطريقهم وهو المؤثر الأول لنفوسهم وعقولهم، فعندما كنت طالبًا في إحدى المدارس أذكر بأنني أخذت كثيرًا من سلوكيات المعلمين الذين تلقيت العلم على أيديهم وما زلت احتفظ بكثير من تلك السلوكيات.
فالمعلم يُلقى إليه حمل ثقيل، ومسؤولية عظيمة وأمانة كبرى في عاتقه، لأن التعليم ليس بالشيء الهيّن واليسير بل فناء للنفس وجهاد واجتهاد، فحسب الطالب أن يتقن فنون العلم فيما يعتمد ذلك من تلقي على أيدي معلمه، فالمعلم الذي يؤسس أجيالًا ويخرّجهم وصف ذلك الفعل بأنه:(بناء للأوطان)، فعلى يديه تتلمذوا وعلى يديه تخرجوا، وكلٌّ يعمل في مجال من مجالات العلوم الفسيحة، إذن نستنتج أن الوطن الفسيح بشعبه لا يؤسسه ولا يبنيه غير المعلم في مدرسته.
إنّ مقولة عمرو بن عتبه الموجهة للمربين من المعلمين والتي قال فيها:(ليكن أول إصلاحك لنفسك، فإن عيون الطلاب معقودة بك)..
هي مقولة تقدم نصحًا للمعلم أن يبدأ بإصلاح نفسه قبل إصلاح غيره ليتمكن من ترجمة الحكمة بمعيار موزون، فتنتقل تلك الحكمة إلى طلبته.
لأنه معقود على ناصيته الاصلاح والتطوير والتعليم المستمر وأثر السلوك اليومي حين يعيش عمرا مع طلبته في الفصول الدراسية وبيئة التعليم، بمعنى إن استطاع المعلم أن يبدأ بمعالجة نفسه وينهاها عن الغي والأهواء والضلالة وقتئذٍ يكون المعلم قد جمع الحكمة وتمكن من بناء عقول سليمة وتفكير ناضج ومواطن صالح، فبه وبمثله تُبنى الأوطان وترقى إلى سلالم المجد والكمال.
إنّ تصرفات المعلم وسلوكياته في قاعات الفصول الدراسية لهي أشد وقعًا وأثرًا على نفوس طلبته، فكلمة ينطق بها المعلم إن كانت حسنة ستثمر سلوكًا حسنًا وإن كانت سيئة لن تثمر غير ذلك، فكتم أنفاس الطالب في أثناء المشاركة الخاطئة بقول:(إجابتك خاطئة) أو (انت غير منتبه) أو (انت لا تفهم) وغير ذلك من الفلسفات الكلامية المحبطة من شأنها أن تهدم طالبًا لربما يحمل فكرًا أو سلوكًا إيجابيًا ينتهي به إلى فقدان الأمل في التعليم، فعلى المعلم كذلك أن يأخذ بأيدي طلبته إلى مدارج الكمال فيقول للطالب المخطيء في الجواب:(لقد اقتربت من الجواب الصحيح) أو يقول له:(حسنًا كنت مجتهدًا) أو يقول له:(محاولة طيبة)..
عندئذٍ لن يشعر الطالب بأنه مخطئ أو أنه لا يفهم أو غير ذلك من الدلالات التي تؤثر على تلقيه للعلم.
فجبر خواطر الطلبة له تأثير شديد على حب العلم ومواصلة الاجتهاد والتاثر بسلوكياته وبعطائه وهو سلوك حسن لا يدركه إلا أصحاب الخبرة في مجال التعليم وهو ينعكس كذلك في تربية فلذات أكبادنا في بيوتهم.
حقًّا من وصف المعلمون بأنهم (قادة الشعوب)، فمهنة التعليم هي أشرف مهنة على وجه الأرض فهي تقي الإنسان الجهالة وتجعله يعيش آمنًا مطمئنًا في الحياة، وصدق كذلك من وصف المعلم بأنه:(شمعة تحترق لتنير الدرب للآخرين)..
فهو وصف لا يليق إلا بالمعلم المجد المجتهد النشط الشعلة الذي ينتقل بين طلبته كانتقال النحل بين خلاياه معززًا تارة ومنشطًا في أخرى ومختبرًا للقدرات ومحددًا للمجتهد ومنّوعًا للأسلوب والشرح والتوضيح ومفصلًا للمسائل، فالتشبيه يليق بهذا المعلم الحيوي في مدرسته.
على كُلٍّ اعتبر علماء الاجتماع والتربية أنّ بناء الإنسان يُعدُّ أصعب وأخطر من بناء المجالات الحياتية الأخرى، فصياغة سلوك جديد على أدمغة الطالب ليس بالأمر اليسير، فكما قال أفلاطون:(إن الطفل يولد صفحة بيضاء إن عمرت بالأخلاق والسلوك الحميد ستثمر نتاجًا طيبًا حسنًا وإن عمرت بالسلوك السيء لن تثمر غيره)، وفي ذلك فليتفكر المعلمون أولو البصائر والألباب أيّ الطريق سيسلكون في أمانتهم وكيف سيصوغون فلذات أكبادنا ويقدمونها لمصنع الحياة..
كل ذلك سيظهر في سلوك الأبناء وفي تصرفاتهم اليومية مع أقرانهم، حينئذٍ يقول الطالب:(أدركت اليوم أنني بلغت بمعية معلمي مدارج الكمال).

[email protected]*