تُشكّلُ وفرة مياه الشرب وتنوعها عامل قلق على صحة المستهلك يدفعه إلى الحيرة والتشكك في مدى سلامة هذه المياه إذ الوفرة والتعدد في هذا المنتج مدعاة إلى الخوف من انخفاض جودة مياه الشرب، وبطبيعة الحال ليس من العجيب الشعور بالقلق في ظل تنوع وتوافر منتجات المياه المعبأة، خصوصا حين نكتشف وجود مواد إضافية ومكونات كيميائية حافظة تشكل خطراً جسيماً على صحة المستهلك ربما تظهر عواقبها مستقبلا، وفي ضوء تلك الإضافات الكيميائية المصنعية ذات الطابع الربحي، وجب أن نطرح سؤالا وجيها للجهات المعنية: هل تمّ استحداث منهجية أو استراتيجية وقائية لسلامة استهلاك مياه الشرب حتى تصل إلى المستهلك دون وجل أو شك بمكوناتها وصحتها وذلك لأهميتها وأساسيتها في الحياة؟
لقد ورد في الكتاب الحكيم قول الله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، وعليه ندرك حتما بأن الماء شريان الحياة بدونه لا نستطيع العيش ولا يستغني عنه الإنسان قطعا، ونستدل من ذلك على وفرة المياه عامة ومياه الشرب على وجه الخصوص، فلا يخلو محل تجاري من مياه الشرب المعبأة بأحجامها المتعددة وماركاتها المتنوعة. إنّ ما نرمي إلى قوله بتعدد الشركات المنتجة للماء، لدرجة أنّ مياه الشرب تباع في بعض المراكز التجارية بأسعار معقولة في متناول جميع المستهلكين، ناهيك عن وفرة إنتاجها وكثرة الإقدام عليها في المناسبات وغير ذلك من احتياجات المستهلكين الأخرى، بيد أنّ ما نرمي إليه في هذا الصدد يتعلق بمدى جودة هذه المياه والتي منها حمضي ومنها قلوي، فبعض المياه تعتبر بمثابة سموم لا تدركها أجسامنا حاليا فتظهر بعد حين فتفرز تلك السموم من الأجسام مشكّلة بذلك مصدر قلق وخوف وحيرة خصوصا مع التنافس المتزايد في عرض مياه الشرب واستحداث شركات خاصة جديدة منتجة للمياه وأخرى تستوردها من دول مجاورة ومنها ما يستورد من بعض البلاد الأوروبية أو الآسيوية، فمن المعلوم لدى الجميع أن المياه القلوية تعد مياها صحية للجسم، ولا ضير فيها بل فوائد صحية متعددة والعكس في ذلك للمياه الحمضية فكيف يتأكد المستهلك ويتبين من سلامة مياه الشرب وصحتها على بدنه؟ وهل جميع الشركات المتنافسة في عرض المياه المعبأة في أسواقنا تنتج مياها صالحة فعليا للشرب؟ وهل ثمة جهات معينة تقوم فعليا بفحص عينات المياه قبل طرحها في الأسواق والتثبت من أنها غير قلوية، وأن مكوناتها سليمة للاستخدام الآدمي؟
فمع وعي بعض المستهلكين الأذكياء وإدراكهم للمعايير الدولية التي حددتها منظمة الصحة العالمية لجودة المياه ونوعيتها ومكوناتها الداعية إلى الحرص على سلامة مياه الشرب المعبأة؛ كان حريا بها أن تلزم جميع الشركات المنتجة بالتقيد بهذه المعايير والمواصفات القياسية لمياه الشرب في جميع أنحاء العالم إلا أننا نصادف أوجه التباين في تلك المنتجات من مياه الشرب من حيث المواد المضافة، فهل المقاييس والمواصفات العمانية بوزارة التجارة والصناعة تُخضع هذه المنتجات المتعددة إلى الفحص الدوري لمياه الشرب قبل طرحها إلى الأسواق أم أن الحبل متروك على غاربه لهذه الشركات في التسويق لمزيد من الأرباح على حساب صحة المستهلك خصوصا، وأنه يوجد بعض الشركات تصفّي الماء بطرائق تقليدية بحتة عبر المصافي التقليدية للماء وتقدم على بيع المياه للمستهلك في حوانيتها، فهل يتم مراقبة سلامة هذه المياه؟ وأي المقاييس المضافة يجب أن يشدد عليه أكثر من حيث جودة هذه المياه؟
إنّ ما نناشد به الجهات ذات الصلة بسلامة مياه الشرب المعبأة أن تتبين حال هذه المياه التي توزع بأشكال متعددة ويتم إنتاجها بطرائق مختلفة وما تحتويه من مكونات تدعو إلى الريبة في سلامة هذه المياه، ناهيك عن طرائق تخزينها وحملها ونقلها وما تعتريها من عوامل ومتغيرات لا يدركها المستهلك، خصوصا في ظل المتغيرات المحيطة به، وما يطرأ من تغيّرات وتطوّرات في الغذاء أغلبها مكوّنات كيميائيّة تؤثّر على الاستهلاك الآدمي على مر الأزمان. كما نناشدها بالتثبت من مدى صحة ما يتداول من أخبار تتعلق بكميّة أملاح النيترات في مياه الشرب وأنها سبب لتُعرِّض المستهلك إلى أخطار صحية وكلنا يدرك بأن أطيب الأشياء العافية.
إنّ سلامة مياه الشرب يرتبط ارتباطا وثيقا بسلامة صحة المستهلك، فالماء شريان لحياته وكما يرد في الأمثال السائدة بأن "درهم وقاية خير من قنطار علاج" فكل مسؤول ذي صلة وثيقة بسلامة مياه الشرب تقع على عاتقه مسؤولية سلامة المياه، وندعوه بعدم تمرير أي شركة تعبئة مياه ما لم يتثبت من سلامة مكوناتها ومطابقة للمواصفة الدولية، وكلّ منتج لمياه الشرب مسؤول عن صحة المستهلكين ومستأمن على إنتاج مياه صحية سليمة من الأذى خصوصا أنّ صحة المستهلك هي الأساس الذي ترتكز عليها سعادة الشعوب وازدهارها، ولا ريب أن الاعتناء بالصحة العامة للأفراد هي أول واجبات المسؤولين ونركز في هذا الجانب ما يتعلق بسلامة مياه الشرب. وأخيرا ليدرك ذوو الألباب كما جاء في المثل الفرنسي: "أن من ملك الصحة ملك كل شيء ومن فقدها فقد كل شيء".

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]