عادل سعد:
أجزم أن أدوات الاستفهام الخمس، كيف، ومتى، وأين، ومن، ولماذا، تتربع الآن على منصة مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وفي أروقتها، وعلى مناضد الاستراحات، بل وازدادت حضورًا بعد بث تقرير أمينها العام أنطونيو جوتيريش خلال انعقاد دورتها الـ76.
لقد تضمن التقرير مكاشفة حادَّة بكل المقاييس، لكنها حدَّة مبرَّرة كأنه يقول فيها إن هذه الأرض التي نعيش عليها وديعة بين أيدينا، وإن الأمانة في حفظ الودائع تقتضي حمايتها وصيانتها من كل أنواع العبث الذي تعرضت، أو من المحتمل أن تتعرض له، وإن قائمة المخاطر التي تهدد البشرية توسّعت على مدار السنوات القليلة الماضية في متواليات مشاكل غير مسبوقة.
لقد تضمن تقرير جوتيريش نصًّا أفاد (أن العالم فَـشِلَ أخلاقيًّا في التعاطي مع جائحة كورونا) وهو هنا يشير إلى أن هناك جهات استغلت تلك الكارثة في ممارسة الضميمة بشأن أسباب نشوء الوباء، ولماذا دخل الفساد التجاري والتربح من الكارثة على خط الوقائع؟ وماذا يمنع حتى الآن من وجود شراكة دولية تضامنية لمواجهته في حين ما زالت هناك دول تعاني المرارة من تفشيه؟ ولماذا الإمعان في تسقيط بعض اللقاحات لحساب ترويج لقاحات أخرى؟
الحال هناك تناقضات، بل ومساومات خلافًا للأخلاقيات التي توصي بها منظمة الشفافية الدولية.
لم يكتفِ الأمين العام للأمم المتحدة بذلك، بل ذهب أبعد في مكاشفته حين قال إن على العالم أن (يستيقظ)، وفي ذلك دلالة مخزية حقًّا لكل الجهات التي ما زالت لا تدرك حجم المخاطر الحاصلة، بل ويوجه اتهامًا مباشرًا إلى أن النوم، بمعنى إهمال الأولويات ما زال يتحكم بمصير البشرية رغم كثرة نواقيس الخطر المستمرة في القرع بأعلى الأصوات وهذه شتيمة دبلوماسية بامتياز.
أعتقد أن جوتيريش اضطرَّ إلى تلك المكاشفة تحت تأثير يأسٍ قاسٍ من النهوض المبكر، وإذا كانت كل المبررات معه في التشخيصات التي أطلقها فمن باب أولى أن يتم الشعور بحراجة الموقف الدولي العام، وأنه لا بُدَّ من إعادة النظر من أجل اعتماد أسبقيات توقف الهدر، وتتصدى للانتقائية.
إن العولمة تتمدد في العالم، وهنا تكمن المفارقة، لماذا هذه الحمائية الانعزالية في مواجهة الكوارث الجديدة مع استمرار النظر إلى الهُويات الحمائية الاقتصادية، والثقافية على أنها انغلاق، وأنها رفض للاندماج وتخلف عن الركب الحضاري إلى آخر مسلسل الاتهامات من هذا النوع؟!
لا شك أن الساحة الدولية بحاجة ماسَّة الآن ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى الانتظام في توظيف أمين للإمكانات الإصلاحية المشتركة.
إن أمام الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة تعميق المكاشفة، وإذا كان جوتيريش قد افتتح المنصة الدولية بتأشير الفشل الأخلاقي ودعا إلى اليقظة، فإن على دول العالم التقاط هذه المضامين لتشغيل فرص التداول بحسن نيةٍ وتبصر.
أجزم مجددًا من محتوى أدوات الاستفهام التي أشرت إليها، العالم بحاجة إلى قراءةٍ جديدةٍ تطبيقيةٍ للمقاصد النبيلة التي تصدرت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، أي التدارك، واسترداد عافية التضامن، وإذا كانت العافية بالتدرج، تظل المصالحات الدولية مفتاح النقاهة، علمًا أن صندوق النقد الدولي قدَّر قيمة الأضرار الناتجة من الجائحة حتى نيسان (أبريل) الماضي بـ16 تريليون دولار.
لقد قيل للحكيم الإغريقي جالينوس: لماذا لا تمرض؟ قال: لأني لا أجمع بين طعامين رديئين. الحال أن العالم بحاجة ماسَّة الآن إلى أن لا يجمع بين الفشل الأخلاقي والنوم إهمالًا.