[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
لا يمكن للمرء إلا أن يستغرق بالضحك بسبب الشد والجذب الجاريين الآن بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. يشبه التوتر بين هذين البلدين التكهرب بين الأسد والثعلب في الغاب، استذكارًا لـ(كليلة ودمنة): فحجم الأسد الكبير وكتلته الهائلة لا يمكن أن يقارنا بالثعلب الماكر الصغير والسريع الحركة. وهذا التكهرب يشبه ما يجري اليوم بين واشنطن وبيونج يانج. الولايات المتحدة، برغم جبروتها العسكري وحجمها الاقتصادي وقدراتها العلمية الهائلة، تتعامل بحذر شديد مع كوريا الشمالية، تلك الدولة الصغيرة نسبيًّا، القابعة غربًا على السواحل المعاكسة من المحيط الهادي. لذا فقد أعلنت وكالة الأنباء الكورية أمس، أن أميركا الكبيرة الحجم تشبه الأطفال في سلوكها، بمعنى أن الكوريين يتندرون بالأميركان الآن نظرًا لأنهم تمكنوا من بث الخوف بهم والارتباك بين مؤسساتهم بسبب الجدل الذي استعر عبر أميركا حول إمكانية عرض فيلم سينمائي يمس الرئيس الكوري، "كيم جونج أون" بعنوان "المقابلة" Interview. هذا الفيلم الأميركي، الذي أنتجته شركة صناعة سينما كبرى اسمها "سوني" Sony، يتناول محاولة لاغتيال الرئيس الكوري الشاب، الذي بقي موضوعًا للتندر والاستهزاء في الإعلام الأميركي لسنوات، خاصة بعد أن أصيب بمرض مجهول للعامة أضعف قدرته على المشي على نحو طبيعي.
يبدو أن الرئيس الكوري الشاب، سليل الأسرة الشيوعية الحاكمة التي أسسها جده "كيم إيل سونج"، قد ضاق ذرعًا بالإعلام الأميركي وباستفزازاته وبما تبثه الثقافة الأميركية الشائعة من إساءات إليه وإلى بلده، فأمر بوضع العقبات أمام عرض الفيلم الذي كلف (سوني) 80 مليون دولار. لذا فقد قام قراصنة كمبيوتر من التخلل في الموقع الإلكتروني ومراسلات شركة (سوني)، فنشروا عددًا من الرسائل الإلكترونية المحرجة بين موظفين وفنانين وبين مسؤولين في الشركة وشخصيات كبيرة، وهي رسائل تنطوي على ما يحرج مرسليها ومستلميها، بل وما يسبب لهم مشاكل قانونية، من نوع الاستهانة بالسود.
هدد القراصنة (الغامضون حتى الآن) بإماطة اللثام عن المزيد من الرسائل المهينة لأصحابها من النوع الذي يسبب المزيد من الإحراج والارتباك إن سمحت الشركة بعرض الفيلم الذي يحاول الإساءة إلى الرئيس الكوري.
وهكذا انقلبت الدنيا في الإعلام الأميركي حول مسألة تمكن هؤلاء القراصنة من كتم أصوات الصحافة، ثم تحول الموضوع، حسب الإعلام الأميركي، إلى قضية الصراع بين الديمقراطية والشمولية. وكعادتهم في المبالغة بكل شيء، راح الأميركان يعدون قضية خوف (سوني) من عرض الفيلم "قضية أمن قومي" ونموذجا للصراع بين الخير والشر! حتى وصل الأمر إلى الرئيس أوباما شخصيًّا، فاضطر الرجل إلى الدفاع عن "حرية الرأي" والإعلام وعن الديمقراطية بوصفهما من القيم الأميركية المقدسة!
في هذه اللحظة راحت (سوني) تجس النبض بحذر شديد حول إمكانية عرض الفيلم بعد تشجيع الرئيس لذلك، إذ أخذت تسوق "المقابلة" على نحو محدود وفردي (لدور عرض صغيرة)، خشية كشف القراصنة عن المزيد مما في جعبتهم من الذي يحرجها ويحرج المتعاملين معها. وخطوة حذرة بعد أخرى، قررت الشركة أخيرًا إطلاق الفيلم على نحو شامل وعام إلى دور السينما الكبرى ومع ذلك، هي لم تزل تخاف رد الفعل الكوري، على الرغم من عدم تأكدها من هوية القراصنة، وفيما لو كانوا كوريين أو صينيين!
لا بد وأن الخوف والقلق الذي بثه القراصنة الإلكترونيون في أميركا بسبب هذه الحادثة قد قدم مناسبة للرئيس الكوري ولرفاقه وفريق معاونيه للتندر بالأميركان وبحال الإنذار الذي تسبب الفيلم فيه عبر أميركا درجة أن الأميركان اليوم يعلنون عبر الإعلام بأن مجرد الذهاب لمشاهدة الفيلم هو عمل "بطولي وقومي" يستحق الإشادة والعرفان!