بدا من تسارع خطوات المصالحة الخليجية، التي توجت بقمة الدوحة لدول مجلس التعاون الخليجي الست، أن كل أسباب الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من ناحية وقطر من ناحية أخرى قد انتهت. وإذا كانت جهود المصالحة الكويتية والعمانية ثم اجتماع الرياض الذي سبق القمة الخليجية قد أثمرت حلا للخلافات واستعادة تماسك "البيت الخليجي" فإن ذلك لا يعني أن السياسات السيادية لدول المجلس المختلفة "توحدت" أو ابتعد عنها التمايز. وهذا أمر صحي طالما القواعد الأساسية للتعاون الخليجي المشترك لا تتعرض لمخاطر. صحيح أن المملكة العربية السعودية أرادت بعد ذلك تجاوز جذر الخلاف، وهو الموقف من جماعة "الإخوان المسلمين"، بطرح مبادرة مصالحة بين قطر ومصر، لكن ذلك لا يعني بالقطع أن "أي دعم للإخوان قد انتهى تماما ولن تقوم لهم قائمة". ففي السياسة ليست هناك حلول قاطعة ولا مواقف نهائية بل توافقات مرحلية واتفاقات وسط، من الخطأ وصفها بتنازلات أو فروض.
وإذا كانت القوى الرئيسية في الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ما زالت على موقفها الذي يدفع نحو تشجيع ودعم ما يصفونه بأنه "الإسلام السياسي المعتدل" باعتباره أفضل بديل لتولي أمور بلدان المنطقة في سياق الاستراتيجية الغربية الحامية لمصالحهم، فلا نتوقع أن أخرى أن من مصلحة سياساتها الخارجية التقاطع مع التوجه الغربي. وهذا تحديدا ما جرى ويجري في المنطقة في الآونة الأخيرة، وليس من المتوقع أن ينتهي في الأمد القريب. ويصعب الفصل بين كل ما يجري في المنطقة والموقف من الإخوان ومستقبلهم السياسي في دولها. ينسحب ذلك على حرب التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ضد داعش والصراع في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وما يجري في لبنان ومصر والسودان وغيرها، وحتى مفاوضات التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب تحت عنوان مشكلة البرنامج النووي الإيراني. وربما يكون التغيير الرئيسي هو أن الإخوان لم يعودوا مرشحين لتولي السلطة في بلدان المنطقة ـ مصر، سوريا، تونس، ليبيا ... ـ وإنما سيكتفى باشتراكهم فيها بدرجة أو بأخرى. المهم أن داعميهم لم يقبلوا بعد بابتعادهم نهائيا عن المشهد، وإنما تتغير التكتيكات والتحالفات بشكل مرحلي بانتظار نتائج جديدة تساعد على تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
كان لخسارة الإخوان الحكم في مصر، نتيجة سياساتهم التي أثارت غضب المصريين وانفضاضهم شعبين عن حكمهم، الأثر الأكبر في توقف مرحلي لصعودهم المتسارع نحو السلطة في بلدان المنطقة ـ حيث كان إخوان سوريا وليبيا قاب قوسين أو أدنى من فرض هيمنتهم على بلدانهم مستفيدين من ثقل حكم الإخوان لمصر. ثم جاء توسع الإرهابيين في سوريا والعراق وقوة تنظيم الدولة الذي أعلنته داعش بعد الإطاحة بالإخوان في مصر ليطيح ببقية آمال الإخوان وداعميهم. وفقد الإخوان في ليبيا وتونس التفويض الانتخابي من أصوات الجماهير في انتخابات حرمتهم من أغلبية برلمانية. لكن يبقى الرهان على النموذج التونسي مرشحا للتشجيع من قبل الغرب، ومن يتبنى موقفه الداعم للإخوان، ليكون قالبا للتكرار في دول أخرى ولو مع بعض التعديلات المحلية. وهنا يمكن النظر إلى المصالحة القطرية/المصرية ـ وحتى تركية/مصرية فيما بعد ـ في سياق التشجيع على هذا التوجه. فمصر على أعتاب انتخابات برلمانية لا يمكن استبعاد مشاركة الإخوان فيها وكسب مقاعد في البرلمان، سواء بشكل واضح أو بشكل فردي أو حتى بدعم مرشحين "قريبين" منهم.
وبانتظار تشكيلات السلطة في تونس، والتي لا شك بها نصيب كبير لحركة النهضة، حتى يمكن الحديث عن احتمالات شكل مشاركة الإخوان في السلطة في بقية الدول التي استهدفوها مع بداية تغيرات ما سمي "الربيع العربي". مع ذلك فهناك مؤشرات لا يمكن إغفالها رغم الصراعات المسلحة وعمليات التفجير والهجمات الإرهابية في دول المنطقة. فأي تسوية سياسية للصراع في ليبيا لن يكون الإخوان بعيدين عنها، وإن لم يكن بشكل مباشر فعن طريق حلفاء لهم مثل كتائب مصراته وغيرها. وفي سوريا، سيجد الإخوان مكانا لهم في أي تسوية للصراع هناك، وحتى إن كان ذلك ضمن صفقة بين إيران والغرب فإن طهران لا تجد غضاضة في التعامل مع الإخوان (مثلها في ذلك مثل الغرب وأطراف إقليمية كتركيا) كبديل لقوى أخرى مغالية في الطائفية الدينية. أما في مصر، فيصعب تصور ألا يكون للإخوان نصيب من البرلمان خاصة وأن الأحزاب التقليدية والقوى السياسية الجديدة لا تبدو قادرة على ملء فراغ سياسي حدث بعد تغيير يناير 2011.
صحيح أيضا أن كل ما جرى في المنطقة في الأعوام القليلة الأخيرة لم يغير كثيرا من مثالب الإخوان، بل على العكس ربما زاد من ارتباطهم بالجماعات المتشظية عن تنظيمهم من المتطرفين والإرهابيين. لكن من المهم أيضا الإشارة إلى أن داعمي الإخوان ما زالوا يراهنون على إمكانية أن يتعلموا الدروس ويستعيدوا مبادرة الدخول في تراكيب السلطة في الدول التي ينشطون بها بأساليب جديدة ودون المغامرة الآن بالتصدي للقيادة. إجمالا، يمكن القول إن الإخوان قادمون وإن لم يكن بالضرورة نحو كراسي القيادة في دول المنطقة، لكن على الأقل باتجاه مقاعد الصفوف الخلفية أو الوسطى.

د. أيمن مصطفى كاتب عربي ـ لندن