بعد عمليات القص والنسخ واللصق، قدم الفلسطينيون مشروع قرارهم لإنهاء الاحتلال إلى مجلس الأمن الدولي، واضعين بذلك منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها أمام مسؤوليتهما الأخلاقية لإنصاف الشعب الفلسطيني وإعادة إليه حقه المغتصب، كنوع من التكفير عن الخطايا التي ارتكبتها هذه المنظمة ومجلس أمنها بحق الشعب الفلسطيني بتشريعهما حقه المغتصب لصالح زمرة من اللصوص والمرتزقة الذين أرادت أوروبا أن تتخلص من أعباء لصوصيتهم وخبثهم وكراهيتهم وتآمرهم.
وعلى الرغم من الدور السلبي الذي لعبته الأمم المتحدة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن رهان الفلسطينيين الذين يأملون منها في دور بنَّاء ومختلف، على نظرة أميركية مغايرة إلى الواقع الفلسطيني المؤلم والمأساوي الذي أوصلهم إليه تخاذل ما يسمى المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وتسيد لغة النفاق على كل الخطابات الرسمية والشعبية، ومساندة كيان الاحتلال الإسرائيلي في كل جرائمه وانتهاكاته ومؤامراته، واعتبار ما يقوم به من جرائم حرب وانتهاكات هو من قبيل "الدفاع عن النفس"، مساوين بذلك بين الضحية والجلاد.
والاتصال الذي أجراه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع جون كيري وزير الخارجية الأميركي لوضعه في صورة الموقف الفلسطيني من تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن، إنما يندرج في إطار تطلعهم إلى دور أميركي أخلاقي هذه المرة يمتاز بالحكمة ومساندة المشروع وعدم قطع رأسه بالفيتو ـ رغم ما أصاب مشروع القرار من تدخلات وتعديلات أفرغته من كثير من مضامينه ـ والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين، فهذه السياسة لا تستقيم ولا تتفق ـ لا أخلاقيًّا ولا قانونيًّا ولا شرعيًّا ـ مع القضايا العادلة للشعوب، وإنما تؤكد الجانب المظلم للسياسة الأميركية ومدى ارتكازها على الظلم.
لقد أشبع مشروع القرار الفلسطيني تعديلات، فحتى مساء أمس الأول، وبحسب صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين "أدخلت ثمانية تعديلات على مشروع القرار وتمت بشكل كامل" لكي يصبح جاهزًا بصورة نهائية لطرحه، مشيرًا إلى أن "التصويت سيتم اليوم الثلاثاء أو غدًا الأربعاء". ورغم هذه التعديلات المتوالية التي جاءت بناء على تدخلات النافذين من الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فإن حجم التفاؤل الفلسطيني لا يرتقي مع هذه التعديلات، حيث سيادة النظرة التشاؤمية حيال مشروع القرار الذي أعلنت الولايات المتحدة عبر خارجيتها أنها "لن تدعم" مسودة المشروع، بزعم أنه لا يحقق أهدافهم ولا يلبي الاحتياجات الأمنية لكيان الاحتلال الإسرائيلي الأمنية، ولذلك يتحدث الفلسطينيون عن خطوات بديلة في حال فشل التصويت بما في ذلك الانضمام للمنظمات الدولية.
على أي حال، من حيث المبدأ يكتسب القرار التوجه إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار دولي يعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة أهميته من حيث إنه قرار يعيد إحياء هذه القضية في غمرة انشغال العالم عنها بقضايا أغلبها مفتعل، كما يعيد تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال والحصار وتعطيل إعادة إعمار قطاع غزة، إضافة إلى أنه يفضح الممارسات القمعية والإجرامية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ويرسم خريطة طريق جديدة لما ستكون عليه هذه القضية في ضوء التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم والمنطقة على وجه التحديد.‏