د.أحمد بن علي المعشني:
بالرغم من شدة الأعاصير التي تتعرض لها السلطنة من شمالها إلى شرقها وجنوبها بين وقت وآخر..
إلا أن الواقع أظهر كفاءة السلطنة في التعامل مع تلك الأعاصير والأنواء، وصار المركز الوطني للتعامل مع الحالات الطارئة وشرطة عمان السلطانية ووزارة الدفاع والأرصاد الجوية وجميع الجهات المعنية بالتعامل مع مثل هذه الظروف، صارت لا تكتفي بانتظار ما سيحدث، بل تبادر منذ وقت مبكر وتصدر المعلومات المفيدة وتنصح المواطنين والمقيمين بعدم المجازفة بحياتهم وترشدهم إلى إجراءات الأمن والسلامة التي عليهم الالتزام بها.
لقد ظهر ذلك جليًا في التعامل مع الأعاصير السابقة التي تعرضت لها السلطنة في السنوات الأخيرة، بدءًا من إعصار (جونو) عام 2007، ثم إعصار (موكونو) 2018، وانتهاء بإعصار (شاهين) الذي ضرب أغلب محافظات السلطنة أمس الأول، فعندما وصل شواطئ السلطنة كالثور الهائج، كان الجميع مستعدين للتعامل معه، وتجنب مخاطره بقدر المستطاع.
تذكرني هذه الحالة بإعصار (موكونو) الذي حلَّ بمحافظة ظفار منذ ثلاث سنوات، كنت حينها أسكن في حي السعادة بصلالة ولزمنا كغيرنا من الناس بيوتنا، وكانت الآثار وخيمة، لكن جهود التصدي للإعصار كانت رائعة.
نجحت الجهود في مواجهة وإدارة تلك الكارثة بكفاءة وجودة عالية، ولم تتوقف الحياة الطبيعية ولا الكهرباء ولا الاتصالات ولا المياه إلا في بعض المناطق وبأقل الأضرار ولم يستمر انقطاعها طويلًا.
وبالأمس تابعت كغيري من المواطنين ما يتعرض له أهلنا في مسقط والباطنة والشرقية وبعض المحافظات الأخرى جراء وصول إعصار (شاهين)، وعلمت من خلالهم ومن خلال متابعتي للأخبار بأن الأضرار ـ ولله الحمد ـ قليلة ولا تزال تحت السيطرة مقارنة بما كانت عليه الأوضاع والظروف في الماضي.
لقد استفادت السلطنة من تجارب (جونو) وما قبله وكذلك من (موكونو) واستطاعت الجهات الرسمية والأهلية توظيف المعلومات العلمية التي تسبق هذه الأعاصير وتتابع تحركها وتتنبأ باتجاهاتها، الأمر الذي ساعد كثيرًا على احتواء هذه الظروف الطارئة، وقللَّ كثيرًا من هلاك الناس وتكبدهم وما ينتج عن ذلك من خسائر، وهنا أود التأكيد على أهمية الاستفادة من المعطيات العلمية وتوظيفها في جميع المجالات، ليس في التعامل مع الأعاصير والتغيرات المناخية فحسب، بل مع كل مجالات الحياة في السلطنة.
فالعلم وما يتضمنه من تخطيط وفهم واستيعاب لكل ما يحدث هو خير أسلوب للتعامل مع جميع الظروف التي قد تتعرض لها السلطنة في مجالات الحياة المختلفة.
ومن خلال تطوير الجامعات ومراكز البحث العلمي، ونقل الخبرات والمعارف ووضعها في مجالات التطبيق وتفعيلها، من شأن ذلك كله أن ينهض بطريقة تفكير الإنسان العماني ويجعله مؤهلًا لتحمل المسؤولية ويرفع حسه الوطني والإنساني، باعتبار كل مواطن هو الوطن، وهو جميع المواطنين.
إن المصائب بالرغم من مخاطرها فإنها توحّد الجهود وتستفز القدرات العقلية الفردية والجمعية والوطنية وتعزز كفاءة وجودة الأجهزة المسؤولة في السلطنة.
أتذكر هنا أنني كنت في مسقط بعد إعصار (جونو) مباشرة الذي ضرب مسقط والشرقية في عام 2007 ووصلت سرعته إلى 260 كيلومترًا وخلف أضرارًا في الأرواح والممتلكات، لكن السلطنة خرجت منه بخبرة وكان تجربة مفيدة جعل العالم يشيد بجهود السلطنة في احتواء الأضرار التي نتجت عنه وفي خلال فترة وجيزة، أزيلت الأضرار، وعادت الحياة إلى حالتها الطبيعية.
واليوم وغدًا ستخرج السلطنة من إعصار (شاهين)، وستكون أقوى وأكثر دراية في تقليل الأضرار وتجنب المخاطر.

* رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)