ناصر بن سالم اليحمدي:
تنفست بلادنا العظيمة الصعداء بعد أن نجحت ـ بفضل الله وحكمة قائدها وجهود أبنائها المخلصين ـ في أن تعبر المحنة "شاهين" بسلام وبأقل الخسائر الممكنة.. وظهرت جليا الحرفية والخبرة الكبيرة التي اكتسبها المسؤولون من الأنواء المناخية السابقة من خلال كيفية التعامل مع الحالة المدارية الحالية، فشاهدنا المتابعة المستمرة والمعلومات الشفافة والبيانات المتتالية التي أصدرتها الجهات المعنية بالنصح والتحذير دون تهوين أو تهويل، إلى جانب السعي الحثيث للحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين وتوفير كافة احتياجاتهم من غذاء ودواء، وكل الخدمات الطبية والمعيشية والمتطلبات الأساسية، سواء في مراكز الإيواء التي ضمت الآلاف أو في مساكنهم أينما كانوا.
لا شك أن اهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بمتابعة الجهود التي تبذل على قدم وساق لمواجهة الإعصار يدل على مدى حرص جلالته على سلامة المواطن وكل من يعيش فوق الأرض الطيبة وخوفه عليهم، وهو ما أعطى شعورا بالطمأنينة بأن الشعب الوفي في عقل وقلب حامي دياره.. كما أن هذه المتابعة أيضا تبرهن على حرص جلالته ـ أبقاه الله ـ على الحفاظ على مكتسبات النهضة الشامخة التي يسعى جاهدا لتنميتها ومضاعفتها.
إن تجربة الإعصار تجربة قاسية وقد شعر بها كل من مرت بجواره أو حتى شاهدها من خلال عدسات المصورين المحترفين والهواة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وبالرغم من ذلك فقد أظهرت هذه المحنة المعدن الطيب للمواطن العماني الذي يتمتع بروح التعاون الصادق والرغبة في العطاء والعمل يدا واحدة مع الأجهزة الحكومية والخاصة المدنية والعسكرية لمواجهة آثار الإعصار.. كما كشفت محنة "شاهين" أيضا ما أصبح يتمتع به المواطنون من وعي ويقظة وحرص في التصرفات، حيث لم يعرض أي منهم نفسه للمخاطرة أو القيام بأي عمل غير محسوب العواقب، بل كانوا يقفون خلف المسؤولين بالدعم والوعي والمحافظة والمساعدة في كثير من الأحيان لإنقاذ أشخاص أو ممتلكات، فكانوا جميعا يدا واحدة تعمل من أجل الخير وعبور الأزمة بسلام.
لقد كانت كافة قطاعات الدولة عبارة عن خلية نحل تعمل ليل نهار من أجل التعامل مع الحالة الطارئة بحرفية ومهارة على كافة المستويات، وكان الهدف الأساسي لها هو الحفاظ على الأرواح والممتلكات، ورغم ذلك وقعت بعض الخسائر.. صحيح أنها قليلة بالنسبة لقوة الإعصار، ولكن كنا نتمنى ألا تحدث.. قد يقول قائل إن الطبيعة الجغرافية التي تتمتع بها البلاد تساعد على جريان الشعاب والأودية عند هطول أمطار غزيرة، وبالفعل هذا صحيح تماما، بل إننا نقر أن المياه تجرف معها السيارات والممتلكات وتؤدي إلى تراكم المخلفات على الطرق وتهلك الزرع، وغير ذلك من أشكال الدمار، ولكن بالتأكيد يمكن تقليل الخسائر لو وضعنا في حسباننا أن الأنواء المناخية أصبحت تتكرر كل عام تقريبا والأحوال الجوية تسوء كل عام عن الذي يسبقه، وهو ما يتطلب بالضرورة إعادة تخطيط المساكن والمزارع بحيث تبتعد عن ممرات السيول والأماكن المنخفضة التي تعرض حياة المواطنين وممتلكاتهم للهلاك، خصوصا أنه في كل مرة يهطل فيها المطر تمتلئ المساكن بالمياه وتجري الأودية والشعاب بصورة تهدد حياة المواطنين وتشوه الصورة الحضارية لبلادنا.
إن أصابع النهضة المباركة ترسم المعاصرة والحداثة في كل شبر بالبلاد، لذلك يجب تأمين كافة المناطق المأهولة بالسكان ضد أي مخاطر قد تهدد حياة من يقطنها.. فقد تعودنا من الخطط الخمسية المتتالية أن تراعي الظروف الطارئة والآنية، وقد آن الأوان لتعديل المخططات القديمة بما يضمن الحفاظ على حياة المواطنين ويصون البنية التحتية للبلاد.
كذلك الحال بالنسبة للسدود، فعددها وسعتها أصبحت قليلة مقارنة بكمية الأمطار التي صارت تنهمر أثناء الأنواء المناخية، فمن الواضح أنه بفعل التغير المناخي الذي يسود العالم أجمع فإن كمية الأمطار تتزايد عاما تلو الآخر والمدة الزمنية التي تستغرقها تزداد كذلك.. من هنا فإن الاستعدادات التي يجب أن تحتاط بها الحكومة لهذه الحالة المدارية يجب أن تتضاعف وتراعي التغيرات التي تنتابها حتى يتم تجنب حدوث خسائر بشرية ومادية.
نحن لا ننكر المجهود الجبار الذي قامت به الحكومة من أجل احتواء الأزمة.. فما رأيناه من تكاتف كل الفئات المعنية يعد نموذجا يحتذى في الشجاعة والبطولة والتفاني الوطني إلى جانب اللحمة الإنسانية التي شاهدناها أثناء وبعد الامتحان الذي اختبر الله به صبرنا وتكافلنا، فالصور التي حملتها لنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي برهنت على مدى النبل الذي يتميز به المواطن، وأن قيادتنا الحكيمة عندما راهنت عليه للنهوض بالوطن لم تكن خاسرة أبدا.
ونحن بدورنا نعاهدك يا قائدنا المفدى أننا سنكون عند حسن ظنك، وسنبذل كل غالٍ ونفيس في سبيل رفعة شأن وطننا الحبيب تحت ظل قيادتك الحكيمة الرشيدة التي قدمت لنا وما زالت الكثير والتي تمدنا بالقوة وروح العطاء والتفاني، وهذا أقل ما يجب أن نقدمه لجلالتك، فنحن أبناؤك الأوفياء الذين يتكاتفون في وقت المحن قبل الرخاء فبلدنا العظيم يستحق منا كل تضحية وفداء.
وقانا الله شر الأزمات وحمى وطننا الغالي من كل سوء.. ونتمنى لجميع المواطنين السلامة، وأن يبارك الله لنا فيما أنعم علينا، ويجعل هذا الغيث سقيا خير وبركة ونماء ينتفع بها البلاد والعباد.. إنه نعم المولى ونعم النصير.