د. خصيب بن عبدالله القريني:
خلَّف الإعصار المداري شاهين آثارا كارثية على المناطق التي مرَّ بها، وخصوصا ولايتي السويق والخابورة، واللتين عانتا أكثر من غيرهما من جراء هذه الكارثة الطبيعية نتيجة لمرور مركز الإعصار من خلال أراضيهما. ورغم الحزن الذي آلم الجميع من أقصى عُمان إلى أقصاها نتيجة هذا الحدث الجلل، إلا أن إيمان العماني النابع من دينه الإسلامي الذي ينظر دائما لكل ما يحصل من أحداث ضمن إطار رباني قائم على الرحمة مهما كان ظاهره عكس ذلك، أبى إلا أن يقدم درسا في الإيمان بأن الشر ليس دائما مكمن حزن، بل يمكن أن يتحول الشر إلى خير يبعث البهجة والسرور في نفوس الجميع، خصوصا مع وجود جائحة أخرى لا تقل ضراوة عن هذا الإعصار والمتمثلة في وباء كورونا. ورغم أن كورونا فرقت بين الناس، إلا أن هذا الإعصار جمع بينهم، وهنا تكمن المفارقة، لقد كان هذا الإعصار ـ رغم ما أظهره من نتائج كارثية فاقت التصورات ـ مبعث سرور في جوانب أخرى كنا نحتاج لسنوات لنتأكد منها أو لنتعلمها.
لقد أثبتت هذه الأنواء صلابة الشعب العماني وتكاتفه، وليس في ذلك شك، ولكن لربما نحتاج في أحيان كثيرة دليلا ملموسا لنبرهن لأنفسنا هذا الأمر، رغم قسوة هذه الأدلة ونتائجها الكارثية، ومتى ما كانت الأدلة كبيرة كان التكاتف والتعاضد أكثر تصميما وثباتا، وهذا ما لمسناه في هذه الظروف الاستثنائية التي أثبتت هذه القاعدة.
لقد كانت مشاهد هذا التلاحم تبعث على الفخر والاعتزاز، وتعزز المواطنة الحقيقية التي كان البعض يعتقد في لحظات معيَّنة أنها بدأت تخفت، خصوصا مع مرور أحداث اجتماعية واقتصادية وصحية صعبة خلال السنوات الماضية، وما قامت به بعض وسائط التواصل الاجتماعية من أدوار سلبية في بعض الأحيان في التشكيك في قِيَم المواطنة، إلا أن هذه الجائحة الطبيعية أثبتت أصالة وحب هذا الشعب لبعضه البعض، وإيمانه الراسخ بأهمية المحافظة على مكتسبات ومنجزات وطنه، وأهم منجز ومكسب هو الإنسان العماني ذاته الذي كان الجوهر النفيس الذي قامت عليه ومن خلاله هذه الملحمة الوطنية.
ولكن رغم الجهود التي بذلت من مختلف فئات المجتمع الحكومية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المحلي، والتي كان محركها الأساس تقديم الدعم والمساندة لسكان المناطق المتضررة، وخصوصا الحاجات الأولية المتمثلة في المأكل والمشرب والأدوات المنزلية الضرورية، إلا أن المتتبع للأمر، خصوصا في الأيام الأولى، ليجد أن هنالك نوعا من عدم التنظيم لهذا الجهد، ولكن كان التعلم بالخطأ والمحاولة هو الأسلوب المتبع إلى أن بدأت الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، وربما هذا الأمر يقودنا في النهاية إلى ضرورة إيجاد آلية موحدة لعملية إغاثة المنكوبين في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ويمكن تطبيقها في كل ولاية أو من منطقة يحدث فيها مستقبلا، لا قدر الله، وتقوم في الأساس على تقسيم الولايات إلى نطاقات ويكون مسؤول عن كل نطاق شيخ القرية أو الرشيد الذي يفترض أن يكون هو الشخص الأكثر معرفة بأوضاع قريته وساكنيها، وفي هذا الأمر تفعيل لأدوارهم بصورة جيدة تقلل من الهدر الذي حدث في هذه الوقفة المجتمعية التي هبَّ لها الجميع.
إن قدرتنا على إيجاد خطة طوارئ جاهزة لمثل هذه الظروف هو الذي يعطي مثل هذه الوقفات الوطنية بُعدا آخر يتمثل في إيصالنا رسالة مكتملة الأركان إلى مختلف دول العالم بأننا شعب يعشق وطنه ويحنو على بعضه وفي نفس الوقت منظم في عمله.