خميس بن حبيب التوبي:
انقشعت الحالة المداريَّة "شاهين" تاركةً وراءها ذكريات لنْ تُمْحى من الذاكرة الجمعيَّة العمانيَّة، كما انقشعت أخواتها من قبل "جونو وفيت ومكونو" وتركت هي الأخرى ذكريات لا تزال حاضرةً في الذاكرة الجمعيَّة العمانيَّة. ومع كُلِّ حالة مداريَّة يبقى ذلك السِّراج المُنير المُنبعث من الأنْفُس العمانيَّة النقيَّة المُنتمية لهذا الوطن العزيز، والمملوءة انتماءً وولاءً وحبًّا وإخلاصًا وتفانيًا، والحُبْلى تكاتفًا وتلاحمًا والتفافًا؛ لترسُم صُورة وطنيَّة رائعة فتتَجلَّى تفاصيلها لترويَ فصلًا من فصول التاريخ الحافلة بمآثر الشخصيَّة العمانيَّة، التي تعبق منها روائح المَحبَّة والأُلفة والانسجام، وتَضُوع منها أنفاس التعاون والتكاتف والتلاحم النابعة من أعماق الشُّعور وصميم القلوب، فتُلخِّص المعنى الحقيقي لقَوْل المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا"، وقَوْله عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام: "مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى".
الرِّسالة العمانيَّة مع كُلِّ أزمة أو حدَث عظيم حاضرةٌ على الَّدوام مُمْتشقة سيف الثِّقة، وخنجر العزَّة والكرامة ورمح الكبرياء؛ لتؤكِّد أنَّ المِحن تُولد منها المِنح، وأنَّ الابتلاء ـ وإنْ عَظُم أو صَغُر ـ فهو تمحيص وتطهير، وإذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه، وأنَّ الظَّفَر بما أودعه الله وراء الابتلاء لا يتحقَّق بالصَّبْر وحْدَه، وإنَّما بالعمل واستلهام حِكَم الابتلاء وبذْلِ النَّفْس والمال والتَّضحية، والتحلِّي بالإيثار ووحدة الصَّف والتلاحم، والتعاون والتكاتف.
إنَّ الصَّفحات المُضيئة، والمواقف المَجِيدة التي يخطُّها أبناء عُمان الأوفياء من أجْل تجاوز اللَّحظات الاستثنائيَّة التي خلَّفتها الأنواء المناخيَّة الاستثنائيَّة "شاهين"، وإزالة الخدوش التي أحدثتها مخالب "شاهين" في جَسَد عُمان، تُوثِّق جانبًا من الجوانب الإنسانيَّة، ورُكنًا من أركان الحضارة العمانيَّة، وسببًا من أسباب الرِّيادة والسِّيادة، ومع كُلِّ صفحة تُثلج الصَّدر، ومع كُلِّ يَدٍ حانيَة تمتدُّ لتَمْسحَ عوار "شاهين" لا يَسعُ كُلُّ عُماني إلَّا أنْ يقول:
ـ شكرًا من القَلْب لِحُماة الوطن وحُماة الحقِّ؛ رجال قوات السُّلطان المسلَّحة والحرس السُّلطاني العُماني وشُرطة عُمان السُّلطانيَّة الذين هم دائمًا عند الموعد مُتأهبين ومُستعدِّين بعُدَّتهم وعَتادهم ليرسموا لوحةً جديدةً من لوحات الفداء والتَّضحيَة، مؤكِّدين بحقٍّ أنَّهم درعُ الوطن الحَصين وسِياجه المَنيع، مُواصلين ليلَهم بنهارهم لإزالة ما علق بوجْه عُمان الجميل من آثار الحالة المداريَّة.. هكذا أنتم دائمًا تتربَّعون قِمم المَجد، وتسكنون في القلوب والذاكرة التي نقدح زنادها اليوم فتعيد لنا عرض الخطابات السَّامية للمغفور له بإذن الله تعالى جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ وما حوَتْه كُلُّها من تهنئةٍ خاصَّةٍ وثَناءٍ وإشادةٍ وتقديرٍ، تأكيدًا لِمَا أُعْدِدتُم من أجْله، واعترافًا بدوركم الكبير.
ـ شكرًا من القَلْب لأبناء عُمان الأوفياء الذين تهافتوا من كُلِّ حَدَبٍ وصَوْب، راسمين ملحمةً وطنيَّةً جديدةً عكست في مضمونها جوهر النَّهج الإنساني والحضاري الذي رسَمت عُمان الحضارة والتاريخ مَعالمَه للتَّعاطي مع قضايا أبنائها وهمومهم، ومع قضايا البشريَّة وهمومها القائم على التعاون والتكاتف والتلاحم والمَودَّة وحبِّ الخير، وعلى مبدأ التَّسامح وتوطيد أواصر المَحبَّة والتفاهم والتعاون بَيْنَ الشُّعوب وإرساء دعائم السَّلام. فقد أثبت أبناء عُمان أنَّهم الأوفياء لإرث الآباء والأجداد الذين سطَّروا ملاحم البطولة والتَّضحيَة والفِداء، وأنَّهم سيبقَوْنَ ـ بإذن الله وبفضله وتوفيقه ـ ملء السَّمع والبَصر والفُؤاد، والمَثَلَ الأعلى والقُدوة الحَسَنة، وحديثَ التاريخ والزمان، يُشار إليهم بالبنان في السَّراء والضَّراء، وفي صُروف الدَّهر ونوائبه.
ـ شكرًا من القَلْب للفِرَق والجمعيَّات والهيئات الخيريَّة ومؤسَّسات المجتمع المدني كافَّة ولكُلِّ مُتبرع، الذين تسابقوا إلى فعل الخير، وأسالوا نهر التطوُّع والعمل الخيري ليطفئ الظمأ ويروي الأرض لتغدو مُخضرَّةً، والقلوب والأنْفُس مُترَعةً بالطُّمأنينة والرَّاحة والاستقرار.
ـ شكرًا من القَلْب لكم جميعًا يا عنوان العِزَّة والكرامة والكبرياء والشَّرف والنَّخوة والتكاتف والتلاحم والتعاون، ويا عنفوان الماضي والحاضر والمستقبل، وإذا كانت الأنواء المناخيَّة قد نالت من جزءٍ من عُماننا الغاليَة، فنحمدُ الله حقَّ الحَمْد على ما منَّ به من نِعم الثَّبات على القِيَم والمبادئ ومظاهر الأخوة والتعاون والتلاحم والتكاتف لِتكُونَ تحصينًا وسدًّا أمام صُروف الزَّمان وأزماته وتقلُّباته.