تدرك السلطنة ضرورة مواصلة الإصلاحات الماليَّة من حيث مواصلة ترشيد الإنفاق ورفع كفاءته بشقَّيْه الجاري والتطويري، وذلك من أجْل تعزيز صمود الاقتصاد الوطني ودعم آفاق النُّمو فيه، خصوصًا مع الأزمات الاقتصاديَّة المتواليَة التي يمرُّ بها العالم أجمع والتي تأثَّرت بها السلطنة بشكْلٍ طبيعي، وحرصت خلال تجربتها في الإصلاح الاقتصادي الذي حقَّقت به خطوات واسعة متقدِّمة على إرساء برنامج اقتصادي شامل يوازن بَيْنَ ترشيد الإنفاق الحكومي من جهة، واستمرار الإنفاق الاستثماري من جهة أخرى، ما انعكس بالتأكيد على مؤشِّرات الأداء الاقتصادي بشهادة المؤسَّسات العالميَّة، وعلى خطٍّ متوازٍ تسعى من خلال سياستها التحفيزيَّة إلى جذب رؤوس الأموال الاستثماريَّة من خلال تحسين بيئتها الاقتصاديَّة بصُورة عامَّة، وتهيئة مناخ الأعمال.
إنَّ الجهود التي تبذلها الدولة باتِّجاه ترشيد الإنفاق الحكومي تؤتي أُكُلَها عامًا بعد آخر، فبحسب النَّشرة الشهريَّة لوزارة الماليَّة، انخفض الإنفاق العام للدولة بنهاية أغسطس 2021م بنسبة 7ر1 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020م ليبلغ 7 مليارات و6ر382 مليون ريال عُماني مقارنة بـ 7مليارات و5ر511 مليون ريال عُماني حتَّى نهاية أغسطس 2020م، ما سيكون له دور ملموس في انخفاض التضخُّم بالسلطنة، كما أثَّر التَّرشيد المُتواصل في الإنفاق على العجز بشكْلٍ جَلِي، حيث سجَّلت الميزانيَّة العامَّة للدولة حتَّى نهاية أغسطس الماضي انخفاضًا في العجز بنسبة 3ر46 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020م ليبلغ مليارًا و8ر51 مليون ريال عُماني، وهو ما يؤكِّد أنَّ البلاد تعتمد بشكْلٍ صحيح على سياسات اقتصاديَّة وماليَّة ستصنع الفارق في المستقبل القريب، حيث استكملت حتَّى نهاية سبتمبر 2021م دفع مستحقَّات القطاع الخاص مكتملة الدورة المستنديَّة والمستلمة عبر النظام المالي والبالغة حوالي 823 مليون ريال عُماني.
ولعلَّ من حُسن الطَّالع أنْ يأتي هذا الترشيد في الإنفاق الحكومي في وقت شهدت فيه الإيرادات العامَّة للدولة حتَّى نهاية أغسطس 2021م ارتفاعًا بنسبة 9ر13 بالمئة لتبلغ نحو 6 مليارات و8ر330 مليون ريال عُماني مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020م، حيث جاء هذا مدفوعًا بتحسُّن أسعار النفط والغاز خلال الأشهر الماضيَة، ما كان له الأثر الإيجابي في تحصيل نحو 3 مليارات و4ر309 مليون ريال عُماني من صافي إيرادات النِّفط ونَحْو مليار و3ر231 مليون ريال عُماني من إيرادات الغاز، وبنسبة ارتفاع بلغت 8ر17 بالمئة و2ر34 بالمئة على التوالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبيَّنت النَّشرة أنَّ الإيرادات الجارية ارتفعت بنهاية أغسطس 2021م بنسبة 2ر37 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020م، كما سجَّل النَّاتج المحلِّي الإجمالي للسلطنة بالأسعار الجاريَة في النِّصف الأوَّل من العام الجاري نَحْو 15 مليارًا و9ر301 مليون ريال عُماني مرتفعًا بنسبة 1ر10 بالمئة مقارنة بالنِّصف الأوَّل من عام 2020م.
وتأتي تلك المؤشِّرات لتحقِّق نظرة مستقبليَّة أكثر استقرارًا وإيجابيَّة لاقتصادنا الوطني، وهو ما سيكون له دَورٌ مهمٌّ جدًّا في جذْب المزيد من الاستثمارات، الأمر الذي سيحقِّق النُّمو الاقتصادي المستدام المأمول، والذي تُعوِّل عليه الدولة في آفاقها المستقبليَّة، وكان لتلك الخطوات الإصلاحيَّة تأثير كبير على التَّصنيف الائتماني للسلطنة الذي أصدرته وكالة "ستاندرد آند بورز" في الأسبوع الماضي والذي عدَّلت فيه نظرتها المستقبليَّة من مستقرَّة إلى إيجابية مع التَّأكيد على التَّصنيف الائتماني عند B+/B، والتي جاءت بالتَّأكيد كنتيجة مباشرة للإجراءات التي تتَّخذها السلطنة لمعالجة التحدِّيات الاقتصاديَّة والصحيَّة والخطوات التي اتَّخذتها نَحْو تحسين الوضع المالي إلى جانب تحسُّن أسعار النفط، والموازنة بَيْنَ ترشيد الإنفاق الحكومي، وبَيْنَ مواصلة المصروفات الاستثماريَّة (الإنمائيَّة والرأسماليَّة) للوزارات المدنيَّة.