أحمد صبري:
أيا كانت الأسباب التي أدت إلى توقف خدمات منصات التواصل "الفيس بوك وإنستجرام وواتساب" فإن ما جرى وصفه خبير بشؤون هذه المنصات بأنه "سكتة رقمية" استفاق العالم على واحدة من أخطر التحديات التي واجهها القائمون على عمل وضبط إيقاع هذه المنصات.
والشلل الذي طاول المنصات الرقمية يندرج في إطار الخشية من تكراره، وربما فتحت الطريق لرصد ومتابعة المحتوى الذي يدور في فضاء هذه المنصات، الأمر الذي ينذر بإجراءات قد تضعها تحت طائلة القانون من فرط مخاطرها إذا تعطلت بفعل فاعل لهدف سياسي أو سبب أمني.
صحيح أن السكتة الرقمية لم تدُم طويلا، غير أنها دقت ناقوس الخطر من استخدامها لغير مقاصدها النبيلة في خدمة المجتمع والإنسان بشكل خاص، ووضعت الشركات الكبرى المالكة للمنصات أمام تحدٍّ كبير، لا سيما وأن الكثير من العارفين بشؤونها يحذرون من مخاطر استخدامها في عملية الهيمنة عليها وتكريسها في خدمة مشاريع سياسية في إطار الغزو الرقمي لمنظومة الفضاء الخارجي التي دور في فلكه منصات التواصل الاجتماعي.
إن ثورة الاتصالات، وما أحدثته من تغيرات على مديات التفاعل والحوار بين الجمهور، اخترقت وأزاحت الجدران والقيود التي كانت تحول دون الاتصال المباشر بين مستخدميها، وهذا الاختراق الرقمي استحوذ على اهتمام الباحثين والمهتمين بمسار العلاقة الرقمية الجديدة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة قرَّبت المسافات بين الناس من دون رقيب ولا حتى أي حاجز يحول دون تحقيق الاتصال المباشر.
وقراءة المشهد الإعلامي الجديد الذي بدأ يتشكل بعيدا عن محددات الإعلام التقليدي وانعكاسه على سلوك الإنسان وحاجاته سلبا أو إيجابا، بات يعكس صورة العالم الرقمي ومدياته وانعكاسه على سلوك الإنسان وتطلعاته الحياتي.
إن استخدام مواقع التواصل ومعرفة جوانب القصور وإمكانية تلافيها بين الجمهور والتواصل الاجتماعي هي مخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مفرط وغير مسؤول من قبل البعض للاستقطاب السياسي والاستقطاب الطائفي، ونشر الأكاذيب وإشاعة الفتن، والترويج لخطاب الكراهية والإرهاب.
من هنا تكمن أهمية الثورة الرقمية المصاحبة لهذا، وتكريس التكنولوجيا الجديدة كأداة للتعبير عن الآمال في السلم الاجتماعي والعيش المشترك بين مكونات المجتمعات التي تعاني من هذه الأمراض.
لقد بات واضحا أن أدوات ووسائل الإعلام الجديد أعادت تشكيل الساحة الإعلامية، وغيرت قواعد اللعبة مع تبدل أدوار اللاعبين، وأوجدت أرضية قائمة على إتاحة مساحة للتعبير والحوار المتبادل، والمشاركة بالرأي، وأسهمت في إيجاد منصات لتشكيل الفضاء الإعلامي الجديد العابر لحارس البوابة كرقيب في وسائل الإعلام التقليدية.
وحجم المتغيرات على الساحة الإعلامية وقواعد الاشتباك بين منصاتها هي من تصد تحولاتها الكبيرة وانعكاسها على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية منها أمام الرأي العام.
إن العالم الرقمي بمفهومه الحديث هو ومضة في ظلام التخلف، حيث أصبح التواصل في فضائه شديد التأثير، رغم أن نهايات العملية التواصلية تتسع في أفق هذا العالم والمنفتحة على جميع الاحتمالات.
ومهما حاول البعض تبرير ما جرى مؤخرا بتعطل عدة منصات للتواصل الاجتماعي بأنه حدث عابر سرعان ما تم تلافيه، إلا أنه كان محاكاة لواقع مفترض ربما تحسبا لأمر قد يقلب قواعد الاشتباك بين كبريات الشركات التي تملك منصات التواصل الاجتماعي.