خصوصيتها تكمن فـي احترام المكان والتعايش مع التحديات الطبيعية

مسقط ـ العمانية:
للعمارة العمانية خصوصية كما يعرفها المتابع لها، وهنا يطلعنا الباحث والمعماري علي جعفر اللواتي على تجربته في العمارة العمانية من خلال اهتمامه وعلاقته المباشرة بها، وما يقدمه من حيثيات تواكب تطورها في مختلف صنوفها، فهو يرى أن للعمارة في السلطنة تجذرا استثنائيا، محركه الإنسان وتفاعله هو الآخر مع الطبيعة من حوله. يوضح اللواتي بقوله: خصوصية العمارة في عُمان تكمن في احترام المكان والتعايش مع التحديات الطبيعية، فقد استوطن الإنسان العماني منذ قديم الزمان قمم الجبال وسفوحها، رغم شدة انحداراتها وصعوبة تضاريسها الجغرافية، وتحديات شحّ الموارد كالمياه، هبوطا نحو السهول والسواحل ومرورا بالكثبان الرملية ليطوّع الوديان ومجاري المياه الفوقية والباطنية لخدمته، وهذا التنوع في التضاريس والمواد المتوفرة بالمكان أنتج طُرزا معمارية مختلفة من بيت القفل في جبال مسندم، إلى بيوت العريش (عمارة سعف النخيل) في ساحل الباطنة والشرقية، إلى المنازل الحجرية المتعددة الطوابق في محافظة ظفار. ويضيف اللواتي: حتى هذا اليوم يلاحظ الزائر للسلطنة كيف تستقر المدن العمانية على تضاريس المكان والمناظر الطبيعية للجبال وتعتبر جزءا أساسيا في الرحلة المعمارية بين الضواحي القديمة وأوساط المدن الجديدة، بالإضافة إلى الألوان الفاتحة على الخلفية الغامقة للجبال التي تعطي إحساسا عن الاهتمام بالمشهد الطبيعي للمكان والمدينة.
هناك اهتمام رسمي نوعي يفسر ذلك الترابط التراثي بين الماضي والحاضر، وما الشواهد التي أوجدتها السلطنة في بيان العمارة العمانية إلا خير دليل على ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، “جامع السلطان قابوس الأكبر، والبنك المركزي، ودار الأوبرا السلطانية، وحصن الشموخ، وغيرها من الشواهد، وهنا يقرأ اللواتي هذا الاهتمام النوعي ويقول: الأمثلة والصروح للصورة البصرية للعمارة العمانية كان قد أرساها السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمورـ طيب الله ثراه ـ، في بداية الثمانينات، حيث برز بشكل جلي في السلطنة طراز عمارة الحداثة أو ما يعرف بالطراز الدولي خصوصا في مدينة مسقط في الحي التجاري بروي، وهي ذاتها التصاميم التي ملأت مدن وعواصم شقيقات مسقط في الخليج، فوجّه السلطان قابوس طيب الله ثراه آنذاك إلى ضرورة الالتزام بالطابع التقليدي وعليه أعدّت المؤسسات المعنية منشورات احتوت على تصاميم للاسترشاد بها عند إعداد واجهات المباني وكانت مستوحاة من القلاع العمانية المعروفة بلونها الرملي وشكلها التكعيبي، وتتميز بالفتحات المستطيلة بزوايا قائمة تتوّجها أقواس مثلثة. ويضيف اللواتي: هذا الطراز ساد معظم المباني الرسمية ويتساءل البعض عن سؤال القوس والقلعة في مشاريع المنشآت السلطانية لِمَ اتخذت هذا الطابع؟ لم تكن الصورة البصرية مجرد عملية نسخ ولصق لعناصر تراثية من القلاع كما يجري في كثير من المشروعات التي تتخذ من التاريخ زيّا أو رفضا للحداثة، وانما عكست قيم الإنسان العماني وبساطته فهو قد جُبل على التواضع وعدم المبالغة. فمثلا دار الأوبرا السلطانية تلج إليه من خلال باب صغير لا يستفزك في رسالة أن الثراء يظهر من الداخل حيث تبهرك جماليات وزخارف الدار كأنها قصر ولا يمكنك أن تتخيل تلك التفاصيل من الكتل المكعبة من الخارج المنسجمة مع تاريخ عُمان.