بعد طول انتظار لصمت أميركي سكب علامات استفهام صغيرها وكبيرها على الجهود القائمة التي تقودها الدبلوماسية الروسية لحل الأزمة السورية، وما إذا كان الأميركي متوافقًا مع جهود الحل أم يرمي إلى شيء نُكُر ينسف به الطاولة على رؤوس أولئك الذين تحاول موسكو جمع أشتاتهم في الداخل والخارج لحقن الدماء وصون سيادة بلادهم واستقلالها بدلًا من العبث بها إلى هذا الحد المشين والفاضح.
ويبدو من أوكل إليهم مهمة تنفيذ المشروع الصهيو ـ أميركي أو المسمى مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، بتدمير دول المنطقة وإعادة رسم خريطتها لصالح الأسياد، إما أنهم لم يتحملوا مزيدًا من انتظار اتساع دائرة علامات الاستفهام واتساع دائرة الحيرة والغموض معها، وإما أنهم بوازع من أسيادهم تقدموا خطوة إضافية على صعيد عملية التدمير والتقسيم والتفتيت وتقديم الإجابة بلغتهم التاريخية وأسلوبهم الثابت والمعروف في مراحل الصراعات والأزمات والتدخلات الغربية والإقليمية التي مرت بها المنطقة، فجاءت الإجابة على الصمت الأميركي حول الدور الروسي لحل الأزمة السورية كما هي مثلما كانت في بداية تفجر المؤامرة بأن لا حوار مع "النظام" ولا حل سياسيًّا للأزمة إلا بما عرفته العرب وأوعز به الأسياد وهو النار والخراب ولا غيرهما.
إن محاولة وضع العربة أمام الحصان من قبل أطراف راهن عليها الصهيو ـ غربي في تآمره على المنطقة بوجه عام وتآمره على سوريا بوجه خاص، وركَّب منها جسم ما يسمى "معارضة الخارج"، ليس مثيرًا للدهشة أن يأتي في هذا التوقيت بالذات بعد أن قذفهم قارب التمنيات والوعود في أوحال التآمر ومستنقعات العمالة، وأغوتهم أحلامهم وسولت لهم أنفسهم أمرًا يتنافى مع ما يرفعونه من شعارات وما يتدثرون به من أستار، فانكشفوا على حقيقتهم، ووجدوا أنفسهم خارج المعادلة بما جنته أيديهم.
ولذلك يحاول هؤلاء المعطلون للحل والداعون إلى العنف والإرهاب والناثرون لصنوف الفوضى نيابة عن أسيادهم أن يجدوا موطئ قدم لهم لا يضمن لهم جزءًا من الكعكة، وإنما الظفر بأجزائها كلها كما هي عادتهم في تأكيد لأنانيتهم وكراهيتهم للآخر، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى تشتم من محاولات تعطيلهم وتكريس حالة الإرهاب والعنف ليست رائحة العمالة والوكالة فحسب، وإنما رائحة رغبة الانتقام وتفريغ الحقد الدفين، وطبعًا معروف عن الصهيو ـ غربي أنه في غاية السعادة حين يجد أمثال هؤلاء في منطقة ظل طوال تاريخه الاستعماري يعمل على إخضاعها بالحديد والنار والتآمر والغدر والخيانة والعمالة، ولهذا وجد ضالته في هذه النوعية المحسوبة على البشر والإنسانية وعلى المنطقة.
إن هذا التعطيل المفاجئ لجهود الحل في سوريا، يؤكد الاعتقاد السائد أن الأميركي لا يريد بعد التسليم بهزيمته وفشل مشروعه التدميري والتخريبي في المنطقة وفي سوريا تحديدًا، وما دام هناك خدم في المنطقة وتحت عباءته يجاهدون من أجل تقديم أوراق خدمتهم وعمالتهم ليحصلوا على شهادة حسن سلوك وعلى فتاته، فلن يكلَّ أو يملَّ حتى يفني خدمه هزيمةً أو انتصارًا.
إذًا، يبدو أن الإعلان عن رفض الحل السياسي والحوار الوطني السوري هو رسالة أميركية واضحة للجميع من القوى المكونة لمعسكر التآمر والعدوان ـ وإن تكفل بنقلها البيادق ـ بأن الأميركي لا يزال يراهن على إسقاط "النظام" في سوريا ومحاصرة حلفائه، وما تراجع هذا الشعار إلا لحاجة في نفس يعقوب؛ أي أن التزام العدوانية تجاه سوريا وحلفائها لن تغيره مسارات هنا، أو جهود هناك، وما الحديث عن الإرهاب والخشية من ارتداده إلا لدواعٍ تفرضها مراحلها طالما أن "داعش" وأخواتها هي منتج أميركي وبتعاون بريطاني ـ صهيوني وبعض العرب والقوى الإقليمية.