عادل سعد:
كيف يمكن للمواطن أن يكون عنصرًا مساعدًا في خفض عجز ميزان مدفوعات الدولة، السؤال هنا عن الاستبانة الحقيقية لدور من هذا النوع، ماذا يترتب عليه لكي يتواصل مع مسؤوليات تشاركية لا يمكن التنصل عنها بموجب الشرف الوطني العام؟
بملاحظة ميدانية هناك ثلاثة مستويات لدوره في هذا الواجب العلاجي الجذري، أو بالحدِّ الأدنى تقليل تأثيراته السلبية.
المستوى الأول على رأس المقتضيات الشخصية ويكمن في اعتماد سلوك ترشيد معاشي متوازن، ولا يعني ذلك شد الأحزمة على البطون، بل في ترتيب أولويات الصرف على أساس التخلي عن بعض الحاجات التي لا تؤثر على طبيعة حياته، وإنما تحد من الإسراف أحد أشد الأمراض الاقتصادية فتكًا.
إن الترشيد المعاشي الشخصي أو العائلي هو توظيف مهم للحدِّ من التضخم المتمثل بارتفاع حجم الكتلة النقدية في السوق والمواطن بذلك يحقق هدفين من الاستدامة التنموية، الأول تحقيق وفورات مالية لرأس المال الشخصي أو العائلي ولو بمدَيات بسيطة، بل ويحافظ على المعادلة الذهبية في العرض والطلب، أي المعادلة المرتكزة إلى الوسطية بين حاجاته والمتوافر منها في السوق بعيدًا عن نزعة الاقتناء وإدمان التخزين الاحترازي الساذج، وبذلك يكون مساهمًا واعدًا في تسهيل المهمة العامة للحكومة لتيسير الاقتصاد الاستهلاكي بعيدًا عن الارتباك والمناقلات الاضطرارية لسدِّ الثغرات.
إن منهجًا استهلاكيًّا متوازنًا من هذا النوع يكفل بالضرورة توضيب التوازن في ميزان المدفوعات العامة للدولة ويحول دون وقوع الاقتصاد السلوكي المرضي ضمن دورات متكررة متلازمة من الإفراط في الشبع واللجوء إلى أدوية (الهضم) عندما لا تكون القناعة سيِّد الموقف، أنا هنا أتحدث عن متواليات استهلاكية إدمانية تحركها وتمولها نزعة الاقتناء والتجريب والنهم.
المستوى الثاني، ويتعلق بتطوعه للمشاركة في حملات الاكتتاب لتعزيز الوفرة المالية التشغيلية الاستثمارية.
المعروف أن فتح باب الاكتتاب على السندات واحد من أنجح الحلول التي تلجأ إليها الحكومات ضمن ما يعرف بالائتمان ذي الفائدة المزدوجة للأفراد والحكومة؛ لأنه يعيد توظيف الكتلة المالية التي لدى المواطنين، أي يحررهم مما يعرف بالضميمة المالية البيتية التي هي في كل الأحوال (ادخار ميت)، في حين تكون كتلة مالية متحركة بفائدة لو أنه تم استثمارها بحسابات جارية أو ادخارية مصرفية، أو على وفق ما أشرنا إليه السندات الائتمانية، وهنا لا نسبة للمفاضلة بين الحالتين؛ لأنك في شراء السندات الائتمانية تكون قد وضعت مالك على طريق النمو الاستثماري.
المستوى الثالث، تبنِّي المنظومة الاجتماعية مشروع أخلاقي عام للشراكة في مسؤوليات ذات بُعد متماسك للشريحة الأكبر، المهنيين، أطباء، مهندسين ومهنيين آخرين والموظفين والعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والعائلية والمتوسطة الذين يمثلون أوسع الشرائح الاجتماعية.
يرى المتتبعون لتطبيقات علم النفس الاقتصادي أن الروح التضامنية الاجتماعية العامة كفيلة بتوظيف المزيد من الاطمئنان، وتبعد هامش التذبذب، خصوصًا إذا ارتبط ذلك بقيمة وازنة من الإصرار العام للحكومة أن تضع معالجة العجز على طريق التلبية وليس التأجيل المتراكم.
إن واحدًا من العلاجات الجوهرية في التصدي للعجز المالي، الحرص على فكرة المواكبة الدقيقة بين فروض التنمية المستدامة ومعالجة اختلالات العجز.
إن التنمية البشرية المستدامة لا تعني فحسب تلبية حاجات النمو الإنساني، بل تعني أيضا العمل على رفع مستوى كفاءة المواطن بالواجبات الملقاة على عاتقه في مصاهرة بين الحقوق والواجبات، وتلك من استحقاقات الحراك التضامني الذي لا يمكن التخلي عنه، وفي هذا السياق أيضا، يحتاج ازدهار الثروات الشخصية فهمًا لوجستيًّا وطنيًّا يستجيب لمتطلبات الشراكة في هذا النوع من الحراك التضامني العام.