جودة مرسي:
شهدت السنوات الأخيرة العديد من الأزمات العالمية التي أثرت أول ما أثرت على الموارد المالية، وبالتالي كان التأثير الاقتصادي والانكماش الإنمائي الذي بطبيعة الحال يؤثر مباشرة على الخطط المستقبلية المطروحة للتنمية في مختلف البلدان، وتمثلت هذه الأزمات في انخفاض أسعار النفط ـ شهد بعض التحسن خلال الشهور الأخيرة ـ جائحة كورونا، العاصفة المدارية "شاهد" وما خلفته من تدمير لبعض المناطق في السلطنة، كل هذه الأزمات كانت كفيلة بوضع البلاد في مأزق كفيل بأن يعيد البلاد إلى الوراء عشرات السنين، لولا فضل الله والسياسة الرشيدة التي وضعت وتسير عليها حكومات السلطنة منذ فجر النهضة إلى وقتنا الحاضر، والتي أثبتت أن السلطنة ليست مثل جيرانها من بعض الدول؛ لأنها انتهجت سياسة التنوع الاقتصادي وتعدد مصادر الدخل قبل حلول هذه الأزمات، ودائما ما كانت تصدر التوجيهات السامية من جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ للحكومة الرشيدة بمنح حرية أكثر للقطاع الخاص والاستثمارات واستقطاب رأس المال، ورفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج القومي، ولهذا شهدت السنوات الأخيرة جهود عظيمة في قطاعات السياحة والنقل والصناعة والزراعة.
فتم تطوير الموانئ المتعددة في السلطنة، سواء في الشمال أو في الجنوب، وخلق نقاط دعم لوجستية على طريق التجارة العالمية، وتم ربط السلطنة بالدول المجاورة لزيادة حركة التبادل التجاري والسياحي، وتطوير قدرات المطارات في مسقط وصلالة وصحار، سواء للنقل الداخلي أو الخارجي، والاهتمام بالخدمات الموجودة في مناطق الجذب السياحية التي تنعم بها السلطنة مثل صلالة.
وكالة التصنيف الائتماني منذ فترات كبيرة تضع في معظم إصداراتها السلطنة عند وضع "مستقر" رغم تراجع النفط الذي يشكل أكثر من 80% من إيرادات السلطنة، وأشادت بتنوع مصادر الدخل الذي تنتهجه السلطنة، وجهود الحكومة في تضييق الفجوة بين الإيرادات والمصروفات والتي نتجت عن تراجع أسعار النفط.
الاستقرار أيضا يتعلق بأرقام اقتصادية مثل التضخم، بما يعني رفع كاهل التراجع المالي عن المواطن حتى لا يشعر بالإرهاق في حياته اليومية نتيجة غلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وكذلك توفير فرص العمل للشباب، وتقديم الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الصناعات الصغيرة.
ولإعطاء دفعة قوية لتنمية الاقتصاد والحصول على مردود تنموي أعلى يجب العمل على منح القطاع الصناعي والاستثماري محفزات أكثر من خلال تسهيل وتبسيط الإجراءات، تماشيا مع سياسة المؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، في الإجراءات التي اتخذتها في منح حوافز لتعزيز الفرص الاستثمارية في المدن الصناعية التابعة لها والتي منها الإعفاء من القيمة الإيجارية لمدة سنتين لكافة المشروعات الجديدة، تخفيض القيمة الإيجارية لمدة 3 سنوات تالية بنسبة 50% للعقود المُبرمة خلال المدة من 2024 – 2021م، وكذلك تخفيض كافة الرسوم الأخرى المدرجة في الملحق رقم (1) من لائحة الاستثمار بنسبة 50% لكافة المشروعات الجديدة خلال المدة 2021 ـ 2024، تخفيض رسوم ترخيص مزاولة أنشطة تقنية المعلومات بنسبة 50% لمدة عامين خلال المدة من 1 يناير الماضي وحتى 31 ديسمبر 2022م للمشروعات القائمة والجديدة في واحة المعرفة مسقط، علاوة على عدم احتساب غرامات التأخير عن دفع مستحقات مدائن للعامين 2020م و2021م. وذلك لمنح القطاع الصناعي حرية أكثر في تشييد المشروعات، وفتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار والتشغيل.
ربما أثر تراجع النفط على إيرادات السلطنة وسبب عجزا، لكن المؤكد أنه سيكون عجزا بسيطا، لكنه مع الوقت سيكون هناك فائض كبير تحققه قطاعات السياحة والنقل والصناعة والتجارة، حتى وإن ظل هناك تراجع في أسعار النفط. إن الحوافز الاقتصادية التي تضعها السلطنة والتوافق مع رؤى رجال الأعمال والاقتصاد في طموحاتهم ومتطلباتهم والاستجابة إليها بقدر الإمكان يجعلنا أسهمنا المستقبلية دائما إلى الأفضل.