تسبَّبت جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) في حالة طوارئ صحيَّة عالميَّة وأزمة اقتصاديَّة لا تضاهيها أيُّ أزمة أخرى على مرِّ التاريخ، وتنفق دول العالم ميزانيَّات ضخمة في سعيها إلى احتواء الوباء العالمي، حيث تزيد الإنفاق بفضل العمل الدؤوب لاحتواء الجائحة بتدابير مثل الفحص والتتبع، مع عزل المصابين وعلاجهم وتوفير الكميَّات اللازمة من اللقاح، بالإضافة إلى ما شهدته دول العالم من إغلاق شامل أدَّى إلى تضرُّر الاقتصادات، ما دفع الدول إلى وضع خطط اقتصاديَّة مكلِّفة جدًّا لتقليل التداعيات على الأفراد وإنقاذ فرص العمل، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلِّي، ثمَّ وضع خطط جديدة لمرحلة التَّعافي الاقتصادي، ما أرهق ميزانيَّة أكثر الاقتصادات العالميَّة استقرارًا.
السلطنة ـ مثل باقي دول العالم ـ تأثَّرت بتداعيات تلك الجائحة، ولكن بفضل التخطيط الجيِّد والبنيَة الأساسيَّة الصحيَّة في البلاد، التي تمَّ إقامتها طوال العقود الخمسة الماضية، صمدت المنظومة الصحيَّة العمانيَّة، واستطاعت تقديم خدماتها الصحيَّة على أكمل وجْه، ليس فقط الخدمات الصحيَّة الخاصَّة بكورونا، بل المؤشِّرات تؤكِّد أنَّها حافظت على تقديم الخدمات الصحيَّة الأخرى دون توقُّف. فالسلطنة حرصت ـ أثناء عملية البناء والتشييد ـ على حق المواطن في الحصول على خدمات صحيَّة في ربوعها كافَّة، وعملت على مدِّ الخدمات الصحيَّة بشكْلٍ يصل بها إلى أبعد النقاط، وهو ما كان له من الأثر الكبير في صمود المنظومة الصحيَّة، كما استطاعت السلطنة ـ بفضل التخطيط الجيِّد ـ الحدَّ من التداعيَات الاقتصاديَّة، ووازنت بَيْنَ الإغلاق الشامل ذي الأولويَّة في حمايَة حياة الإنسان أثناء الجائحة، وبَيْنَ الحفاظ على المقوِّمات الاقتصاديَّة التي سيكون لها مردود كبير في سرعة عمليَّة التَّعافي الاقتصادي.
إنَّ ما سبق من خطوات جبَّارة وازنت بَيْنَ النَّاحيَة الصحيَّة والاقتصاديَّة، ـ رغم التكلفة العاليَة ـ إلَّا أنَّ الحكومة لم توقف مشاريعها التوسعيَّة في المنظومة الصحيَّة، وحاليًّا تنفِّذ وزارة الصحَّة جملةً من المشروعات الصحيَّـة في مختلف محافظات السلطنة، وتتمثَّل هذه المشروعات، التي ما زالت في مرحلة الأعمال الإنشائية ـ في: مشروع مستشفى السلطان قابوس الجديد في ولاية صلالة بمحافظة ظفار، ومشروع مستشفى السويق بمحافظة شمال الباطنة، ومشروعي مستشفى خصب ورفع كفاءة مركز مدحا الصحِّي إلى مستشفى محلِّي في ولاية مدحا بمحافظة مسندم، ومشروعات التَّوسعة في مستشفيات السلطاني ونزوى وصحار، ومشروع إنشاء وحدة الكلى في مستشفى بهلاء بمحافظة الداخليَّة ومشروع وحدتي الحوادث والطوارئ ووحدة غسيل الكلى بمستشفى ينقل.
بالإضافة إلى تنفيذ عدَّة مشروعات تتمثَّل في: مركز مقشن الصحِّي، وتأهيل مركز ثمريت الصحِّي إلى مستشفى محلِّي بتمويل من قِبل شركة تنميَة نفط عُمان، ووحدة غسيل الكلى بمركز العامرات الصحِّي التي يُموِّلها القطاع الخاص، والذي لم يكن سيشارك في تمويل المشروعات الصحيَّة دون الخطوات والخطط والبرامج الاقتصاديَّة التي اتَّخذتها البلاد لحمايته من تداعيات جائحة كورونا. فتنفيذ مثل تلك المشروعات في مثل هذا الوقت، الحرج على كُلِّ دول العالم، يؤكِّد إيمان السلطنة بالتطوير المستمرِّ والدَّائم، وتوسُّع التَّنمية الأفقيَّة والرأسيَّة للمنظومة الصحيَّة، لتواكب الملفات الصحيَّة الحرجة في المستقبل، بالإضافة إلى رسوخ الفِكر التَّنموي العُماني الذي استطاع الصمود أمام أعتى الأزمات التي أسقطت منظومات صحيَّة في دول كنَّا نحسبها أكثر تقدمًا، لكنَّ السلطنة التي تحرص ـ في تنفيذ مشاريعها ـ على أنْ تُصاغ معاييرها الإنشائيَّة وتجهيزاتها الفنيَّة وفق أحدث الأُسس المعمول بها في تشييد المؤسَّسات الصحيَّة العالميَّة، استطاعت مواجهة الجائحة، وعملت على الحدِّ من تداعيَاتها، وتوجَّهت نَحْو التَّعافي من تلك التَّداعيَات، وسَعَتْ إلى رفْد المنظومة الصحيَّة بتنفيذ مشروعات جديدة ستصنع الفارق في المستقبل القريب.