يدخل العالَم مرحلةً جديدةً من البَحْث عن مصادر جديدة من الطَّاقة أكثر تحقيقًا للسَّلامة البيئيَّة، وقد قادت البُحوث العلميَّة الحديثة طفرات علميَّة واسعة في التَّقليل من الاعتماد على مصادر الطَّاقة التقليديَّة التي تؤثِّر على البيئة بشكْلٍ سلبي، والتوجُّه نَحْو استحداث بدائل جديدة للطَّاقة النَّظيفة، وتنوَّعت تلك المصادر من حيث طُرق استخراج الطَّاقة الجديدة، أو من نتائجها. فما تشهده المعمورة من تغيُّر مناخي أثبتت الأبحاث كافَّة أنَّ تأثيره على البشريَّة سيكون كارثيًّا إذا ما استمرَّ العالَم في استنزاف مصادر الطَّاقة التقليديَّة وما تُخلِّفه من انبعاثات تضرُّ بالمناخ العالَمي، فالتغيُّر المناخي النَّاتج عن الانبعاثات النَّاتجة عن أنواع الوقود التقليديَّة هو الخطر الأكبر الذي يُواجه البشريَّة؛ لذا تعمل معظم البلدان حاليًّا على توفير بدائل جديدة للطَّاقة المُتناغمة مع الطَّبيعة.
ويُعدُّ وقود الهيدروجين الأخضر من أحدث أنواع الوقود الجديدة التي يسعى العالَم إلى الاعتماد عليها؛ لأنه وقود خالٍ من الكربون يتمُّ تصنيعه عن طريق التَّحليل الكهربائي، وذلك باستخدام الطَّاقة المتجدِّدة من الرِّياح والطَّاقة الشمسيَّة لفَصْل مكوِّنات الماء إلى هيدروجين وأكسجين، كما يُعدُّ أيضًا ناقلًا للطَّاقة يُمكن استخدامه في العديد من التَّطبيقات المُختلفة، كما يُمكن استخدامه في الصِّناعة، وتخزينه في خطوط أنابيب الغاز الطَّبيعي لتشغيل الأجهزة المنزليَّة، كما يُمكنه نقْل الطَّاقة المتجدِّدة عند تحويله إلى ناقل مثل الأمونيا، وهو وقود خالٍ من الكربون لقِطاع النقْل، وهو بالتَّأكيد ثَوْرة علميَّة تسعى إلى إيجاد بدائل لأنواع الوقود الحاليَّة التي تؤثِّر على البيئة والمناخ حَوْلَ العالَم.
وتُعدٌّ السَّلطنة من الدول السَّاعية إلى إقامة مجتمع أخضر، ولها باعٌ طويل في صَوْن البيئة والحفاظ عليها، وتمتلك رؤية "عُمان 2040" خطوات قويَّة في إقامة مشروعات اقتصاديَّة خضراء، وإيجاد بدائل بيئيَّة لأنواع الوقود، وعلى رأس تلك المشروعات الاتفاقيَّة التي وُقِّعت بَيْنَ تحالُف دولي يتكوَّن من قِطاع الطَّاقة البديلة التَّابع لمجموعة "أوكيو" وشركة "ماروبيني" وشركة "لندي" وشركة دبي للنَّقليات "دوتكو" لتطوير مشروع الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في المنطقة الحرَّة بصلالة. ويأتي اختيار المنطقة الحرَّة بصلالة بمحافظة ظفار لِمَا تتمتَّع به من موارد غنيَّة من الطَّاقة الشمسيَّة وطاقة الرِّياح مدعومة ببنيَة أساسيَّة بمستوى عالَمي للشَّحن عبْر ميناء صلالة، ممَّا يجعلها موقعًا مُهمًّا لمركز عالَمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
ويستهدف المشروع المُسمَّى بـ "SalalaH2" إنتاج ما يصل إلى ألف طنٍّ يوميًّا من الأمونيا الخضراء باستخدام مصنع الأمونيا الحالي التَّابع لمجموعة "أوكيو" في صلالة، بحيث يتمُّ إنشاء منشأة التَّحليل الكهربائي بقدرة تبلغ 400 ميجاوات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، واستخدام ما يقارب واحد جيجا واط من الطَّاقة الشمسيَّة وطاقة الرِّياح المُنْتَجَة عن طريق المرافق الحاليَّة أو الجديدة لتشغيل منشأة التَّحليل الكهربائي.
ويقوم التَّحالف حاليًّا بإجراء الدِّراسات لاتِّخاذ القرار للبدء في الاستثمارات، وسيجري استكشاف وتنسيق النَّتائج مع المشتري الحالي لإنتاج مصنع الأمونيا، بما في ذلك احتياجات الوقود المشترك من خلال محطَّات توليد الطَّاقة التي تعمل بالفَحْم في آسيا، وتلبيَة احتياجات الطَّاقة المتجدِّدة لمصانع الأسمدة في أوروبا، وتلبيَة احتياجات صناعة الشَّحن العالميَّة من الوقود الخالي من الكربون.
المشروع سيُحقِّق العديد من المزايا الإيجابيَّة للاقتصاد العُماني، من خلال الإسهام في تعزيز وتنويع البنيَة الأساسيَّة للطَّاقة، وتنويع مهارات العاملين في هذا المجال، ونقْل الخِبرة والتِّقنيات الجديدة إلى المنطقة. وتؤكِّد هذه الشراكة التزام مجموعة "أوكيو" التَّابعة لجهاز الاستثمار العُماني بما من شأنه تعظيم القيمة وتنويع الاقتصاد العُماني تماشيًا مع استراتيجيَّة السَّلطنة الرَّاميَة إلى تعزيز الاستثمار في موارد الطَّاقة المتجدِّدة والطَّاقة البديلة، فاستغلال الجزيئات الخضراء والهيدروجين الأخضر يُعدُّ بدايَةً حقيقيَّة تُمهِّد الطَّريق لإنتاج وقود خالٍ من الكربون، خصوصًا وأنَّ السَّلطنة تمتلك إمكانات كبيرة في هذا المجال، فالهيدروجين ومشتقَّاته سيقوم بدور رئيسي في إعادة تشكيل مشهد الطَّاقة العالَمي، وسيُسهم هذا المشروع في إنتاج الهيدروجين الأخضر بشكْلٍ كبير في تنميَة المُجتمع المحلِّي.