د. محمد المعموري:
بعد أن تضع الحرب أوزارها ويتم الله نصره على عباده المؤمنين، يسعى أولو الألباب إلى التفكير في استثمار النصر والتركيز على الدروس المستخلصة من هذا النصر بعد وقبل أن تضع الحرب أوزارها. وهنا يجب الإشارة إلى أن الحرب ليست بمعنى أن نسمع طبول الحرب تقرع أو أن تضج الفضائيات بالمحللين العسكريين متداركين وساعين إلى كسب فوزهم في تغطية الحرب ليكون كل واحد منهم أقرب إلى الحدث من زميله في المهنة. وما تعرض له أهلنا في سلطنة عمان جراء الحالة المدارية "شاهين" هو أشبه بحرب اكتسحت بيوتا ومزارع وبنى تحتية اجتهد وأجهد العمانيون في إنجازها على مدى سنين عجاف وسنين كانت هي الأسمى والأكثر إشراقا في تاريخ السلطنة، وبالتحديد في عصر النهضة المباركة عصر جلالة السلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه. نعم كانت حربا شرسة استطاعت أن تدمر ما لا تستطيع أن تدمره الطائرات أو تكتسحه الدبابات في ساعات كما فعل "شاهين" ولأنها حرب، المنتصر فيها واحد، وهو الصابر والمحتسب إلى الله، فإنها "ابتلاء" وقد وقع الابتلاء وانتصر الشعب العماني بفضل الله، ثم بعزم هذا الشعب العريق، وبعد النصر جاءت الملحمة ملحمة بناء ما تم تدميره من قبل "شاهين" واستمرت الملحمة وما زالت مستمرة منذ أكثر من عشرة أيام.
وبعد...
ماذا بعد الابتلاء والملحمة؟ أعتقد هي اللحمة، وكذلك الشعور الذي لا يمكن أن يوصف أو تتداركه الكلمات في أسطر أو مقال، وأعتقد هو الكلام الذي لن يعجز روَّاد المقاهي أن يذكروه أكثر من قصص أبو زيد الهلالي، وأجزم بأن هذه الملحمة جعلت أبناء عُمان الشباب يزدادون إيمانا بوطنيتهم وحبهم لوطنهم وقائدهم الذي أرسى قواعد هذا الحب وبنى بلاده على أساس المحبة والتسامح والإيثار ونكران الذات والمساواة والحرية واحترام المعتقد والدين.
نعم أصبحت الملحمة بعد "شاهين" هي الفوز الذي يجب أن يستثمره العمانيون لتذكير أبنائهم الشباب، بأيام كانت لا تنتخي شعاب عُمان إلى جبالها ولا أوديتها إلى سهولها، ولا يمتزج الماء الذي يرتوي منه الجميع في سيقان نباتها، فتنكرت كل الطبيعة لبعضها، صورة حزينة يجب أن تبقى عالقة في ذهن الأجيال لكي يعلموا كم هي النعمة والفضل الذي وهبه الله إلى هذه الأرض الطيبة وإلى أهلها الكرام بأن جعل على يد ابن من أبنائها عزيمة التغيير وعزيمة البناء والتطور والانتقال إلى عصر النهوض وعصر النهضة الذي قاد لواءه جلالة السلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه. نعمة وفضل من الله وتأييد من لدن العزيز الجبار، إذ جعل على يد هذا الفارس مقوِّمات اللحمة الوطنية، وتساعدت الأيادي مع يديه لبناء عُمان اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وأصبح قطاع القضاء والتعليم من أرقى نظامين طبقت مبادئهما الصحيحة في السلطنة مقارنة مع ما يحيطها من الدول، وهنا يجب الإشارة بتمعن إلى أهمية قطاع العدالة والتعليم في المجتمعات وقد نجح جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ في وضع أسسه الرصينة متوازية مع كافة القطاعات التي تهم الوطن والمواطن.
فأي دروس نستخلصها بعد "شاهين" ونحن ننظر إلى سلطنة عمان وهي تسير كالبرق مسابقة الزمن لتكون كما يجب أن تكون، ولتبقى السلطنة بهذا الشموخ بين بلدان العالم أجمع. فبفضل الله وتأييده لجلالة السلطان قابوس أصبح الجميع يصلون في مسجد واحد، يؤمهم إمام واحد لا ينظر المصلي إلى من يصلي جنبه ليتمعن في طريقة صلاته، ولكن ينظر إلى الروح التي تنبعث منذ أن يقول الإمام "الله أكبر" معلنا لقاءه مع رب السماوات والأرض، في بلد أصبح نفسا واحدة ورجلا واحدا، وتوحدت الأرواح لتصفو وتتحد على قلب رجل واحد.
هذا هو أهم درس استخلصناه من ملحمة بعد "شاهين" وما تلاها من صور مشرفة لأبناء عُمان من شرقها وغربها جنوبها وشمالها وهي تزهو بالإخاء والمحبة، وما زالت مدرسة السلطان قابوس تخرج من بين فصولها الجيل بعد الجيل، ولكن ينبغي علينا أن نذكر الأجيال بتلك الملحمة التي قادها جلالة السلطان قابوس ـ غفر الله له ـ فغيَّر أمة وبنى شعبا وحافظ على وطن فأصبح الجميع يفتدونه بأرواحهم ومالهم وولدهم.
بلد طيب ورب كريم..