د. خصيب بن عبدالله القريني:
تربطني به علاقة شبه يومية، ربما لأنني وجدت فيه متنفسا حقيقيا لممارسة رياضة المشي التي أعدها فرصة للترويح عن النفس وتجديد الطاقة أكثر من نظرة البعض لها بأنها رياضة لتقليل الوزن أو علاج أمراض مزمنة، مكان جميل ومرتب يستحق تحية شكر وتقدير لجميع الكوادر التي ساهمت في إنشائه منذ اختماره كفكرة حتى تنفيذه وأيضا متابعته حتى بعد التنفيذ والاستمرار في صيانته. أتحدث هنا عن ممشى صحم، هكذا أسميه أنا وبقية الناس رغم عدم وجود لوحة إرشادية تخص هذا المكان، وبهذا الاسم في عموم الولاية على الأقل من خلال بحثي المتواضع قبل كتابتي لهذا المقال.
مما لا شك فيها أن هذا الممشى في هذه الولاية العريقة تجربة حضارية فريدة عندما نقارنها بتجارب ولايات أخرى، حيث قلما تجد مثل هذا المنجز وبهذا الشكل والتنظيم والترتيب والمتابعة أيضا، لكن الإشكالية التي نقع فيها دائما في مختلف مشاريعنا الخدمية والترفيهية، وخصوصا ذات الصبغة الحكومية أننا لا نسعى لتطويرها، فقط نقوم بعمل تصور معيَّن ونطبقه ثم نتركه، وإذا كان محظوظا فعلى الأقل سنقوم بتنظيفه، لكن أن نستلهم أفكارا جديدة لتطويره وحتى لو كانت هذه الأفكار من خارج كوكب الأرض فهذا مرفوض جملة وتفصيلا. لا أدري ما السبب؟ هل وجود نوع من البيروقراطية الخدمية التي تمنع تطبيق مثل هذه الأفكار؟ أم أن القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة وغيرها من أصحاب المشاريع لا يلتفتون لها؟ أم هنالك تعقيدات إدارية في مجال التطوير؟ حقيقة لا أعرف أين الخلل؟
إن إيجاد أفكار جديدة واستغلال مرفقات الممشى بصورة أكثر استدامة يُسهم في تطوير الممشى وتوسعته وتقديم خدمات متميزة تساعد على ديمومته بعيدا عن الاعتماد على مصادر حكومية، خصوصا في عملية الصيانة المستمرة، ومن هذه الأفكار توسعة عرض الممشى لإيجاد ممر لأولئك الذين يمارسون الرياضة باستخدام الدراجات الهوائية، ويمكن القيام بعمل مشروع يخص هذا الجانب وقيام المرتادين لهذا الممشى باستئجار هذه الدراجات ولكن بتكلفة رمزية لا تثقل كاهلهم، ويمكن العمل وفق نظام الاشتراك الشهري أو السنوي. وهنا ـ ومن خلال هذه الفكرة ـ قمنا بتوسيع الفئات التي تستفيد من خدمات هذا الممشى، وفي نفس الوقت دعمنا الجانب الاقتصادي لتطويره، كما أن عمل مساحات خضراء وفق مواصفات معيَّنة يمكن من خلالها القيام بطرحها للإيجار وبأثمان مناسبة للقيام بعمل دورات في الهواء الطلق للتدرب على بعض الألعاب الفردية والتي لا تعيق مستخدمي الممشى مثل جلسات التدرب لرياضة الكاراتيه التي تلقى رواجا كثيرا في الولاية ووفق جدول محدد ووقت يناسب الوضع العام للممشى، كما يمكن توفير مساحات خضراء بجانب الممشى للجلسات العائلية التي تكثر في فصل الشتاء، حيث أصبح الممشى مكانا لتجمعات العوائل والشباب أيضا وممارسة أنشطة متنوعة، إذ مع مرور الوقت تطورت أدواره وتعددت، ولكن لضيق المساحات فقد افترشت العائلات تلك المساحات الموجودة في منتصف الممشى والتي بلا شك غير مهيأة لذلك، سواء للعائلات نفسها أو من يمارس رياضة المشي، حيث يحتاج الأمر لنوع من الخصوصية، كما أن عمل أيام مفتوحة في أشهر الشتاء لدعم حملات التبرع بالدم أو الترويج لمجالات بيئية أو رياضية انطلاقا من هذا الممشى تسهم ـ بلا شك ـ في تعزيز دوره والخروج به من بوتقته التقليدية المتمثلة في ممارسة المشي فقط إلى مجالات أرحب وأوسع، وتطوير أفكار جديدة ومفيدة.
إنني على يقين بأن القائمين على أمر هذا الممشى لا يألون جهدا في تطويره ومتأكد أنهم يمتلكون أفضل من هذه الأفكار التي طرحتها، ويسعون لتطبيقها، لكن ربما هو الوقت أو الإجراءات هي من يعرقلها، وما هذا المقال إلا لشحذ الهمم والتأكيد على قيمة هذا المنجز الحضاري الذي يعني الكثير لأبناء الولاية، ولا شك أن المطر لا ينهمر مرة واحدة، فهو يبدأ بالهطول المتقطع ثم ما يلبث أن يبعث الحياة في أرجاء الأرض، وهذا هو ـ بلا شك ـ حال القيادات التي يهمها أمر هذا المنجز، مع خالص التقدير والشكر المكرر على الجهود المستمرة.