د.أحمد بن علي المعشني:
أتذكر جيدًا مقالًا قرأته حول قصة نجاح (أرنولد شوارزنيجر) بطل كمال الأجسام النمساوي الأصل الأميركي الجنسية الذي حقق شهرة عالمية واسعة في مجال رياضة كمال الأجسام.
وعندما اعتزل رياضة كمال الأجسام أجرى معه صحفي رياضي مقابلة وسأله: ماذا تنوي أن تفعل بعد أن اعتزلت؟ فأجابه "شوارزنيجر" بأنه ينوي أن يكون البطل رقم واحد في هوليوود.
استغرب الصحفي إجابته التي وإن كانت تؤكد طموحًا قويًا وجامحًا، إلا أنه من وجهة نظره غير واقعي من ذلك النمساوي الذي كانت لهجته تغلب على لغته الإنجليزية، وكان جسمه الضخم مخيفا مقارنة بأجسام نجوم هوليوود.
وهنا سأله الصحفي: وماذا ستفعل حتى تحقق هذا الحلم؟ فأجابه
"شوارزنيجر" بكل هدوء وبرود: سوف أوجد الصورة في عقلي أولًا، ثم أعمل من أجل تحقيقها.
طبعًا استغرب الصحفي هذه الإجابة، لكنها ظلت تتردد في عقله، حتى سمع ذات يوم في برنامج إذاعي للمنوعات بأن الفيلم الذي لعب ارنولد "شوارزنيجر" بطولته حقق أعلى مشاهدة وأكبر معدل إيرادات مالية.
يستطيع الإنسان المثابر على تدريب وعيه ومراقبة أفكاره، أن يفعل مثل ما فعل هذا البطل الأسطوري الذي مارس هذه الاستراتيجية في النجاح الرياضي ثم النجاح السينمائي وطبقها في مجال تجارة العقارات ثم صار الحاكم رقم (38) لولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة.
استطاع بلا شهادات أن يهاجر من بلده النمسا وهو صبي فقير ثم يتمرس بالحياة والتجارة والرياضة حتى حقق هذا النجاح الشخصي.
أحاول في كل مرة ألتقي فيها بالشباب في مختلف المراحل أن أعرض لهم تجربة هذا العصامي الفريد، وأطلب منهم أن يخوضوا تحديات الحياة بصورة عقلية متفائلة، وأن يجيبوا على سؤال مصيري واحد: من أنا؟ وماذا أنوي أن أعمل؟ فالإجابة الصريحة على أسئلة الصورة الذهنية لما يسعى الشخص من أجل تحقيقه توفر الكثير من الجهد وتوجه جهد الإنسان وطاقاته ومواهبه إلى هدف واضح، وهذا خير محفز لطاقات التفكير والابداع والعمل الدؤوب حتى يتحقق الهدف، تعمل نية الشخص على تحفيز قدراته الظاهرة والباطنة لتحقيق ما ينوي تحقيقه.
تذكر الصحفية العلمية "لين ماكتاغريت" في كتابها تجربة النية عددًا من الأبحاث العلمية المثبتة التي تظهر فاعلية تأثير النية على نشاط الدماغ وعلى حركة العضلات وعلى تحقيق نسبة شفاء مرتفعة وفي تحقيق الأهداف.
ومن الأمثلة الطريفة التي تلفت النظر ما ذكرته عن الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي الذي كان يدرب نفسه عقليًا قبل لقاء خصومه، وقبل سبعة أسابيع من لقائه بمنافسه جورج فورمان عام 1974 كان يقضي معظم وقته في التدريب العقلي على تشتيت ضربات خصمه بأن يدير رأسه بعيدًا قبل أن تصل إليه يد منافسه، وكان يستخدم العديد من التقنيات العقلية كالنية والتخيل والتأكيدات اللفظية الإيجابية وكان يردد مع ذاته دائمًا
"أنا الأعظم" وكانت له عبارات يلتقطها عنه الصحفيون من قبيل "واثق تمامًا" وفي "نهاية الجولة الرابعة" و"وتصيب اللكمة ويسقط الدب" كان كلاي يكرر تأكيدات لفظية إيحائية إلى عقله.
وكان يردد عن خصمه "لطماته بطيئة تمضي سنة قبل أن تصل إلى غايتها".يعتمد نجاح أي إنسان على ما يحمله في عقله من أفكار ومن تصورات وعلى النية التي تهيمن على تفكيره وتوجهاته وما يتحرك في داخله من مشاعر وعواطف.
وكل ذلك يدفع في اتجاه تحقيق النتائج.
فإذا كنت تطمح إلى تحقيق شيء معين، فيجب أن تنوي القيام به، وعليك أن تتوقع ذلك بقناعتك وأن تستحضر وعيك باستمرار لكي تتأكد بأن مشاعرك وأحاسيسك تترجم نيتك.

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية ـ مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)