ناصر بن سالم اليحمدي:
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البديهيات التي تربَّى عليها المسلمون في كل مكان.. ولكن للأسف نجد أن هذا الحب لا يتحول إلى واقع ملموس يدركه القاصي والداني من خلال الاقتداء بالرسول الكريم في كل تصرفاته وتنفيذ أوامره والبعد عن كل ما نهى عنه إلا عند القليل من المسلمين، لذلك لا يظهر للعالم الأخلاق القويمة الكريمة التي يتمتع بها رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم والتي جعلت الملايين يعتنقون الدين الحنيف.
وكل عام عندما تحل علينا ذكرى مولد خير البرية تخرج علينا قلة من الفضائيات ببعض الأفلام ذات الصبغة الدينية وتحتفل بعض المساجد بهذه الذكرى وينتهي الأمر عند هذا الحدِّ حتى صار الأمر روتينيا كل عام.. مما يجعلنا نتساءل: متى نحيل الاحتفال بهذه الذكرى العطرة لتصرفات إيجابية على الأرض؟ وما واجبنا تجاه نبينا العظيم؟
لقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للكثير من المضايقات والإساءات فوصف بالساحر والمجنون والكاهن والكاذب وغير ذلك من الصفات الكريهة، بل إنه تعرض للأذى البدني وبالرغم من ذلك نشر دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ولين القلب؛ لأنه لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله وتركوه وحيدا، فالدعوة انتشرت واستمرت بأخلاق النبي الكريمة المتسامحة حتى إنه بعد أن فتح الله له مكة عفا عن جميع أهلها بالرغم من الأذى الذي ألحقوه به.
إن نبينا الهادي استطاع خلال سنوات قليلة أن ينقل البشرية من غياهب الجهل والتخلف والعبودية إلى فضاءات الحرية والحضارة وأنشأ دولة قائمة على العدل والمساواة والإخاء والمحبة والتسامح والشورى، ووضع مبادئ المدينة الفاضلة في يثرب.. تلك المبادئ التي لو سار عليها المسلمون حتى الآن لتحققت لهم الريادة، ولكنهم للأسف ابتعدوا عنها وعن سنته الشريفة فسقطوا في مستنقع التأخر مرة أخرى.
إننا في عالمنا المعاصر يعيش الإنسان غريبا ولو داخل منزله وسط عائلته، فنرى الأب يلهث وراء لقمة العيش والأبناء لا يفارق الهاتف النقال والحاسوب المحمول أيديهم، فأصبح الجميع كالجزر المنعزلة يعيش لنفسه فقط.. فلماذا لا نستغل مثل هذه المناسبات العظيمة لجمع شمل الأسرة وتبادل الأحاديث حول السيرة النبوية الشريفة وتعريف صغار العائلة بما تحمله الرسول الكريم من أذى وتعب وجهد لكي يصل برسالته الخالدة إلى يومنا هذا، وكذلك إطلاعهم على أخلاقه القويمة وصفاته الحميدة ومواقفه النبيلة لكي يستفيدوا منها في حياتهم ومستقبلهم، لا سيما أن هناك الكثير من السنن مهجورة في حياتنا ولا نسير عليها رغم أن العلم الحديث يكشف يوما بعد يوم ما فيها من فوائد دنيوية كبيرة بالإضافة إلى فوائدها الأخروية بنيل رضا لله جل شأنه؟
إننا في حاجة لإعادة النظر في كيفية التعامل مع سيرة رسولنا العظيم فتتناول مناهجنا الدراسية مواقفه الشجاعة والحكيمة والعادلة وأخلاقه ومناقبه كي يقتدي بها الطلاب في كل تصرفاتهم.. وكذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام وأولياء الأمور والمؤسسات التنويرية المختلفة التي يجب أن تحث شبابنا على الاقتداء بخير البرية، واتخاذ سنته منهجا للحياة حتى ينعموا بسعادة الدارين ويتحقق لهم الخير العميم.
* * *
حظيت المرأة العُمانية منذ بداية عصر النهضة المباركة بالكثير من الاهتمام واحتلت مكانة مرموقة في المجتمع بعد أن شرعت لها أبواب التعليم والتدريب والعمل جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل لخدمة الوطن في مختلف المجالات والمشاركة في مسيرة البناء والتقدم.. ولقد سنت الدولة القوانين والنظم التي تضمن حقوق المرأة وواجباتها باعتبارها شريكا فعالا وأساسيا في المسيرة المباركة ومصنعا للأبطال فدورها لا يقل أهمية عن دور الرجل.. وينص النظام الأساسي للدولة على المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء واعتبار كل منهما مواطنا كامل الحقوق دون تمييز.. كما انضمت السلطنة للعديد من المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي تكافح التمييز ضد المرأة.. ومن مظاهر الاهتمام بالمرأة تخصيص يوم الـ17 من أكتوبر من كل عام يوما للمرأة العُمانية يتم خلاله تسليط الضوء على أهم مكاسب المرأة وما تقوم به من مجهودات وطنية تعتز وتفتخر بها.
لقد كانت المرأة حاضرة في التاريخ العُماني القديم، وهناك الكثير من الشواهد التي تدل على دورها ومكانتها الكبيرة وكيف أن المجتمع العُماني متمدن بحضارته وفكره على مدار تاريخه.. فمنذ 4 آلاف سنة قبل الميلاد كانت الملكة شمساء تحكم عُمان وحققت في عهدها ازدهارا كبيرا للشعب، وكانت عُمان في عهدها دولة قوية مزدهرة.. وكذلك الملكة مريم التي حكمت قلهات واهتمت بفنون العمارة والمعمار الزخرفي الهندسي الدقيق واستطاعت شق السواقي ونقل المياه من أماكن بعيدة، والسيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي التي كانت شخصية سياسية وعسكرية رفيعة إلى جانب العديد من أسماء العُمانيات اللاتي لمعن في مجال الفقه والعلم ونظم الشعر ونسخ المخطوطات وغيره.
أما في عصرنا الحديث فرغم أن المجتمع العُماني من أكثر المجتمعات حفاظا على العادات والتقاليد والأعراف، إلا أن نظرة هذا المجتمع للمرأة كانت واعية بالقدر الذي يمنحها التقدير وحقها في بناء الوطن.. وعندما تولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ مقاليد الحكم في البلاد اعتبر أن المرأة أحد جناحي المجتمع الذي لا يستطيع التحليق إذا كان مهيضا منكسرا.. كذلك حرص حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أن تحتفظ المرأة بمكانتها اللائقة في رؤيته المتجددة وسعى حثيثا لتمكينها على المستويات الوظيفية الوطنية حتى تتحقق التنمية المستدامة المنشودة، وهو ما يعد امتدادا تاريخيا للثقافة العُمانية الحضارية الواعية التي لا تفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.. ويكفي أن صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب قام بإشهار «نادي المرأة للرياضة والإبداع الثقافي» الذي يُعد ترجمة واقعية لرؤية مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ السامية فيما يتعلق بالمكانة المتميّزة التي تحظى بها المرأة العُمانية.
كل التوفيق للمرأة العُمانية وكل عام وهي بخير وتقدم وازدهار وقادرة على بناء المستقبل الواعد المشرق.