د. رجب بن علي العويسي:
في أثناء عمل الفرق الميدانية من منتسبي شرطة عمان السلطانية وقوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني العماني في عمليات البحث والإنقاذ والإسعاف والإغاثة والإخلاء والإيواء في التعامل مع التأثيرات والأضرار الناتجة عن العاصفة المدارية "شاهين" التي تعرضت لها السلطنة مؤخرا، واجهت طائرات البحث والإنقاذ وعمليات الإخلاء التابعة لسلاح الجو السلطاني العماني وشرطة عمان السلطانية، تحديات كبيرة في الوصول إلى المتضررين والمحتجزين في الأودية وأسطح المنازل أو في مركباتهم وداخل البيوت، في ظل ارتفاع منسوب المياه، وتضرر البنية الأساسية وانقطاع شبكات الطرق والكهرباء، ليأتي النداء من قبل القائمين على هذه الفرق بوجود تحديات تعرقل دور الطيران في التعامل مع البلاغات ورصد مواقعها، تمثل ذلك في الطائرات الصغيرة بدون طيار(الدرون)، وأظهر الشريط التلفزيوني في القناة العامة في أثناء تغطية الحالة المدارية بالخط العريض ما نَصُّه: "أن طائرات البحث والإنقاذ وعمليات الإخلاء تواجه صعوبة في إنجاز مهامها نتيجة لتزايد طائرات بدون طيار (الدرون) والتي تعيق حركتها".
وبالتالي ما يطرحه واقع الأمر من تساؤلات ونقاشات مستفيضة حول الضوابط والشروط التي تضعها جهات الاختصاص حول استخدام هذه الطائرات، ومدى وجود رصد فعلي لتأثيرات مباشرة أو غير مباشرة لها على أجهزة الاتصالات في أثناء قيام طائرات سلاح الجو السلطاني العماني وطيران الشرطة في التعامل مع الأنواء المناخية والحالات الطارئة، والاحترازات والتدابير الوقائية التي يجب وضعها في هذا الشأن حتى لا تتحول هذه الطائرات إلى عامل معرقل للجهود أو مؤخر للإنجاز، ومستوى المعرفة المتحققة لدى مستخدمي هذه الطائرات أو ملاكها بهذه التأثيرات للحدِّ من مخاطرها الأمنية والاجتماعية، وتعزيز فرص الاستفادة منها في ظل مسار الاحترافية والنوعية المرتبطة بأدائها، بما يمكن أن تقدمه من معلومات وبيانات وخرائط دقيقة يستفاد منها في العمليات اللوجستية لجهود الإغاثة والإنقاذ والإيواء، وبما يحافظ على سقف الإنجاز الوطني في التعامل مع الحالات الطارئة بكل مهنية واحترافية، من خلال زيادة مستويات الحوار والتواصل والتنسيق بين جهات الاختصاص المنظمة لعمل هذه الطائرات، والهواة أو الملاك، او المستخدمين لها عبر تكوين جمعيات مهنية متخصصة، وتصنع من خلال تقيدهم والتزامهم بالتعليمات والضوابط والاشتراطات الصادرة من جهات الاختصاصات وتفاعلهم معها، ومدى كفاية أدوات وآليات المراقبة والضبط التشريعي والملاحقة القانونية التي تتجه إليها جهات الاختصاص في التعامل مع الممارسات والتصرفات الشخصية والمجتمعية، محطات التقاء تظهر في نواتج إدارة واقع هذه الطائرات وفاعلية توظيفها وطنيا، وجوانب استخدامها في ظل مراعاة الخصوصية المجتمعية والبيئات الاجتماعية والعادات والتقاليد، منعا من أي تصرفات قد تعود بنتائج عكسية على مرونة استخدامها أو منح تصريحات لها في المجتمع.
ومع أن الحديث عن هذه الطائرات في مجتمعنا العماني ليست حديث العهد إذ يرجع استخدامها إلى أكثر من ثلاثة عقود، ومرت بمراحل من التطوير والتحديث في هيكلتها وأجهزتها وأدوارها وجوانب الاستفادة منها ومكوِّناتها، واتسع استخدامها بشكل واسع من قبل الشركات العاملة في إنتاج النفط والغاز لتصوير ومراقبة حقول النفط والغاز، إلا أن حالة البطء في انتشارها، أو انتشار استخدامها لدى الأفراد والمؤسسات دون الإفصاح عن عددها أو تسجيلها لدى الجهات المختصة، والصعوبات التي تواجه عمليات التصريح لها، وطول الإجراءات وتعقيداتها، أسهم في مزيد من التباينات حولها، وعدم وضوح مسار العمل الوطني بشأنها، وحالة من التراجع الحاصلة والتخوف لدى الهواة أو الملاك من عدم الإفصاح الحقيقي عن أعداد هذه الطائرات، بما تشير إليه بعض الإحصائيات الخاصة من ارتفاع عدد هذه الطائرات بأنواعها وأشكالها المختلفة بأكثر من (7000) آلاف طائرة، في حين أن العدد المسجل منها لدى الجهات المعنية لم يتعدَّ (120) طائرة فقط، ووجود أكثر من (4000) من الهواة، وأن (80%) من مستخدمي هذه الطائرات دون سن (18) سنة؛ إلا أن المسجلين لدى الجهات المعنية يقل عن (5%)، بينما (2%) منهم فقط هم من يستخدمون تصريح الجهات المختصة.
من هنا كان لهذه الضبابية أثرها في عدم الإفصاح الفعلي عن أعداد هذه الطائرات في السلطنة وجوانب الاستخدام الحالية لها، والضمانات التي تقدمها الجهات المعنية في سبيل المحافظة على مستوى نجاح عالي لهذه الطائرات في احتواء مواهب الشباب، وتقديم فرص عمل داعمة لهم على المستوى الشخصي، سواء في أثناء رصدها للحالات المدارية والظروف الاستثنائية والمنخفضات الجوية الماطرة ونزول الأودية، أو كذلك في رصد بعض الظواهر الكونية مثل الخسوف والكسوف وغيرها، وهو الأمر الذي يتيح للشباب الهاوي لها والمحترف للتصوير، في تقديم منتج نوعي يمثل إضافة شخصية ومهنية وتسويقية يمكن خلالها تسليط الضوء على الميزات التنافسية للسلطنة السياحية والاستكشافية للكهوف والمسارات الجبلية والحياة الفطرية وغيرها مما يمكن أن ينشط فيه دور الشباب، وبالتالي تعزيز دور هذا النشاط بما يقدمه من نواتج عملية تسهم بها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنتجة للبرامج التلفزيونية الوثائقية والمغامرات، ودعم جهود الحكومة في قطاعات السياحة عامة، وسياحة المغامرات، والرياضات المتخصصة البحرية والصحراوية والجبلية، بالإضافة إلى الاستفادة منها في المحميات والاستكشافات البيئية والتخطيط العمراني، وتنفيذ شبكات الطرق، وتصوير الفعاليات الشاطئية والمفتوحة، وغيرها كثير.
ويبقى البُعد التشريعي معادلة التوازن التي تقرأ واقع هذه الطائرات؛ باعتبارها هواية للشباب وأبناء المجتمع، وتقوية الفرص والمبادرات والتوجهات الشبابية نحوها، إلى التثمير فيها اقتصاديا وتعظيم قيمتها التنافسية في توفير بدائل اقتصادية وإنتاج وثائقي وإعلامي، فإن وجود تشريع وطني ينظم عمل هذه الطائرات ويعيد ضبط آليات ممارستها، في ظل استشعار القيمة المضافة التي يحققها وجود هذه الطائرات في مختلف برامج التنمية الوطنية باعتبارها داعمة لجهود الحكومة في الحدِّ من حالة الهدر في الموارد التي تنفقها في سبيل استقطاب شركات عالمية في التصوير والتوثيق، والدراسات الاستشارية، وفي الوقت نفسه يفتح آفاقا أوسع وفرصا أفضل لاستغلال طاقات الشباب العماني وهواياته في تقديم منجز نوعي داعم لعمل المؤسسات، ويعزز من حضور الشباب في مواقع العمل والإنجاز، بما يوفره من فرص تشغيلية ووظيفية في هذا الشأن، وتوظيف هذه التقنيات والاستفادة منها وتشجيع الشباب على استخدامها، وتبنِّي المبادرات الوطنية التي تعمل على احتواء هذه الفئات والاستفادة منها في إنتاج بعض التقارير التلفزيونية، سوف يضمن توجيه بوصلة عملها لصالح المجتمع، والحدَّ من الممارسات غير المسؤولية التي تأتي نتيجة الفجوة الحاصلة بين الهواة وملَّاك هذه الطائرات والجهات الحكومية المعنية بها، وقلة برامج التوعية والتثقيف، ورصد المستجدات الحاصلة في عمل هذه الطائرات أولا بأول.
لذلك فإن تحقيق نجاح ملموس في عمل هذه الطائرات، وحلحلة كومة التحديات المترتبة عليها كالتالي أظهرها تعامل جهات الاختصاص مع الحالة المدارية "شاهين" مرهون بمستوى الكفاءة والمهنية والاحتواء في إدارة هذا الملف، وإيجاد الحلول البديلة المنسجمة مع معطيات الواقع بين المحافظة على هواية الشباب وفرص الاستفادة منها، والالتزام بسقف الضوابط والمعايير والاشتراطات في استخدامها، الأمر الذي سيؤدي إلى تنشيط حركة العمل بهذه الطائرات، والتوسع في الخيارات التي تتيح للشباب العماني فرص استخدام هذه الطائرات، بما يقلل من كثرة الشكاوى التي باتت تطرح حول هذه الطائرات واستخدامها في المناطق السكنية والتجارية أو الأمنية والخاصة، وحجم المضايقات التي يشعر بها الأهالي في أثناء استخدام هذه الطائرات، وارتفاعها لمسافات علوية تعري خصوصياتهم وتكشف بيوتهم، وبين إيجاد منظومة تشريعية وضبطية وتدريبية قادرة على رسم ملامح التحول في أداء هذه الطائرات وآليات استخدامها، لتحقيق نواتج نوعية لهذه الهوايات على مستوى الفرد والمجتمع، بحيث يتيح التوسع فيها، والتنوع والتعددية في البدائل، ووضوح جهات المتابعة والرقابة ومنح التصاريح، أو الجهات المعنية بالتطوير والتحديث وسن التشريعات والقوانين في هذا الشأن، إلى توجيه بوصلة العمل بهذه الطائرات وإعادة ضبط هذا الملف وتنظيم أدواته، سواء من خلال إيجاد ضوابط ومعايير مقننة في عملية استخدام هذه الطائرات أو شروط اقتنائها أو كذلك استقطاب الهواة وأصحاب المبادرات وذوي الاهتمام واستيعابهم كداعمين لجهود المؤسسات ومشاريعها التطويرية.
أخيرا، يصبح وجود بنية مؤسسية (مرجعية وطنية) وتشريعية قانونية (ضبط وتقنين العمل وتوفير الاشتراطات والمعايير) تستند إليها في عملها، فرصة أوسع لانتشارها، وضمانات أكبر في التقليل من مخاطرها أو سوء استخدامها، وتقليل الممارسات العشوائية والسلوكيات الفردية التي يمكن خلالها توجيه هذه الطائرات إلى أهداف أخرى، من قبل الأشخاص غير المؤهلين لذلك، أو يسيئون طريقة استخدامها، ويصبح وجود التشريع بمثابة ضمانات أخلاقية واجتماعية وأمنية ووطنية لحسن استخدام هذه الطائرات من جهة، وفرصة في إقرار استخدامها كثقافة يتعامل معها المحترفون والهواة في المجتمع بما تتيحه من شغف البحث والاستكشاف وحس المسؤولية الناتجة عن الاستخدام الآمن لها في ظل القانون وموجهاته، ويصبح وجود القانون ميزة تنافسية لنقل هذا النشاط من الخفاء إلى العلن، ومن الاستخدام غير المرخص لها، إلى تسجيلها في قاعدة البيانات الحكومية، ومن الملاحقات القانونية التي يتعرض لها بعض الهواة نتيجة لتحليق طائراتهم في بعض المنشآت الأمنية أو الخاصة أو البيوت إلى ممارستها وفق منظومة وطنية معتمدة، وإيجاد الاتحادات والأندية الرسمية كمظلة لممارسة هذه الهواية وفق ضوابط وشروط تحفظ لها حق الظهور، وتؤسس لهواها فرص المشاركات في المهرجانات والمسابقات والجوائز المحلية والإقليمية والدولية.