جودة مرسي:
تحتفل الأمة الإسلامية في الثاني عشر من ربيع الأول كل عام هجري بالذكرى العطرة للمولد النبوي على صاحبها محمد ابن عبدالله أفضل الصلاة وأزكى السلام، وفي كل مرة تحل علينا هذه الذكرى نتذكر كم نحن ما زلنا في أشد الاحتياج لتتبع سنته صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي كل يوم نتذكر عظمة النبي وعظمة اختياره من لدن المولى عزَّ وجلَّ ليكون نبيا للمسلمين، تمثل في النبوة والوحي الإلهي والكمال الإنساني في أرفع درجاته وفي أعلى منازله، وهذا ما دفع البعض من أعداء الإسلام في التطاول عليه في إطار محاربتهم للإسلام لتحل ذكرى هذا العام وقد حدث قرب احتفالنا بمولده صلى الله عليه وسلم ومنذ أيام قليلة أمر تمثل في احتراق رسام الكاريكاتير السويدي "لارش فيلكس" المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لقي مصرعه حرقا، مساء الثالث من أكتوبر الجاري، إثر حادث سيارة. وقد أساء هذا الرسام للرسول والمسلمين برسوماته، وبما أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يضره الإساءة ولا المديح من البشر بعد أن شهد له ربُّ العالمين من فوق سبع سماوات، وبعد أن قامت الأدلة اليقينيَّة على صدق نُبوَّته وصحة رسالته، إلا أننا نستشهد بكلام من خالفوه في رسالته وشهدوا بعظمته لنثبت للعالم كل يوم أن من تطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ما هم إلا قليل على عكس الكثير ممن أشاد منهم بالرسول وهم على غير دين الإسلام، أمثال الكاتب والناقد الإنجليزي برناردشو حول أخلاق رسول الله حين قال "إن أوروبا الآن بدأت تدرك حكمة محمد وبدأت تعشق دينه وأن أوروبا سوف تبرئ الإسلام مما اتهمته به من أراجيف رجالها ومفكريها في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد هو النظام الذي تؤسس أوروبا عليه السلام والسعادة وتستند إلى فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات وفك العقد.." ويقول أيضا "ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد ليحل القضايا المعقدة بينما هو يتناول فنجانا من القهوة".
فيما قال تيموتاوس النسطوري المسيحي، أسقف الكنيسة الآشورية في القرن الثامن: "محمد حقٌّ لكل تقدير وتكريم، محمد سلَكَ طريقَ الأنبياء؛ لأنه علَّم الناس الوحدانية، ودلَّهم على الأعمال الصالِحة، وحارَبَ الشِّرك وعبادةَ الأوثان". وأيضا تقول الكاتبة البريطانية الدكتورة كارين آرمسترونج الراهِبة السابقة، وصاحِبة الكتابات القوية في مجال مقارنة المعتقدات وتاريخِها "لقد قدَّم مُحمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كونه شخصية نموذجية ـ قدَّم دُروسًا مُهمَّةً للبشرية، ليس للمسلمين فحسْب، بل ولأهل الغرب أيضا. لقد كانت حياته جهادًا، وكلمة جهاد لا يَنحصِر معناها بالحروب الدينية، بل الجِهاد من المُجالَدة (المجاهَدة)، فقد بذَل مُحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ جهودًا كبيرةً لإحلال السلام في جزيرة العرب التي مزَّقتها الحروب وشتَّتها الاقتِتال فيما بينها، ونحن اليوم بحاجة ماسَّةٍ لشخصيات تَحذو حذوَ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، لقد كرَّس صلى الله عليه وسلم حياته لمُحارَبة الظلم والجشَع والطُّغيان.
والعديد من المخالفين لدين الإسلام الذين درسوا سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنصفوه، وهو منزَّه عن إنصافهم، ولكنها حجج لمن أراد أن يشعل فتيل الفتنة بين الديانات. إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعظم النعمة، ويخدم نفسه ويمسك لسانه ويكرم كريم كل قوم، ويختلط بالناس ويحترس منهم، وكان مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة، وكان يحفظ حق الغريب. صلى الله عليه وسلم سيظل نورا لنا يضيء دروبنا ويُعلي من هاماتنا ويعلمنا الحكمة في كل شؤون حياتنا، وأن سراب الدنيا لا ينفع مؤمنا، فقد علمنا أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يهمه متاع الدنيا وزينتها، وكان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ما لي وما للدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها". ستظل ذكرى مولده كل عام تنير الكون وتذكر البشرية أنه لولا رسول الله ورسالته التي بلغها للعالمين لكان الفناء مصير البشرية بعد أن قتلتها المادة والصراعات البشرية.