يُعدُّ نُمو المؤسَّسات الصَّغيرة كمًّا وكيفًا من المؤشِّرات المُهمَّة في النَّهج الاقتصادي لهذه الدولة أو تلك، وذلك نتيجة لأهميَّتها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ولمساهمتها الفعَّالة في زيادة الأداء الاقتصادي والإنتاجيَّة وما تملكه من قدرة تنافسيَّة، حيث أثبتت القفزات الاقتصاديَّة للعديد من الدول أنَّ تلك المؤسَّسات هي المحرِّك الرَّئيسي لعمليَّة النُّمو المُستدام، بالإضافة إلى قدرتها الكبيرة على توفير المزيد من فُرص العمل للكوادر الوطنيَّة، ودَوْرِها الملحوظ في تحقيق قيمة محليَّة مضافة، كما أنَّ لميزاتها التكوينيَّة دورًا فعَّالًا في الوصول إلى التَّنويع الاقتصادي المأمول، لذا تعمل معظم دول العالم على توفير كيانات تمويليَّة وحاضنة مُهمَّتها النُّهوض بقطاع المؤسَّسات الصَّغيرة، والعمل على توفير مناخ اقتصادي جيِّد يساعدها على الصُّمود في ظلِّ تقلُّبات الأسواق المحليَّة والدوليَّة.
ومن هذا المنطلق، فقد أصبح الاتِّجاه السَّائد هو تهيئة المناخ الاستثماري لهذه المؤسَّسات على المستوى المحلِّي، والدفع في اتِّجاه تسهيل قيامها والعمل على توفير الأُطر والمُتطلَّبات كافَّة لنجاحها والارتقاء بها. وتُعدُّ السَّلطنة من الدول التي أدركت أهميَّة تلك المؤسَّسات مبكرًا، وسعت إلى تقديم جميع أوْجُه الدَّعم والمُساندة لها، واستحدثت هيئات وجهات لتقديم الدَّعم المالي والتَّدريبي المطلوب، واتَّخذت جملة من الإجراءات هدفت إلى تنميَة وتفعيل دَوْرِ المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة في التَّنمية، من خلال إرساء القواعد السياسيَّة والقانونيَّة كآليَّة أساسيَّة للنُّهوض بهذا النَّوع من المؤسَّسات عبر ربوع البلاد، فالحكومة تدرك أنَّ تلك المؤسَّسات هي القاطرة الحقيقيَّة للاقتصاد الوطني، وأنَّ توفير أوْجُه الدَّعم سيكون له مردود كبير على عمليَّة النُّمو الاقتصادي المُستدام.
ومع بدء السَّلطنة تنفيذ الخطَّة الخمسيَّة العاشرة (2020 ـ 2025)، والتي تُعدُّ الأولى في رؤية "عُمان 2040" والتي يلعب القطاعُ الخاصُّ وعلى رأسه المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة دَوْرَ الشَّريك الأساسي، قامت السَّلطنة بالإعلان عن عددٍ من الحوافز والمُبادرات متعلِّقة بتخفيض الضَّرائب والرُّسوم على الشَّركات التي ستباشر نشاطها خلال عام ٢٠٢١م الجاري في قطاعات التَّنويع الاقتصادي (الصِّناعة، والسِّياحة، والقطاع اللوجستي، والثَّروة السمكيَّة والزراعيَّة، والتَّعدين)، وتخفيض معدَّل ضريبة الدَّخل على المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة لعامَي ٢٠٢٠م و٢٠٢١م، بالإضافة إلى تخفيض القيمة الإيجاريَّة في المنطقة الاقتصاديَّة الخاصَّة بالدُّقم والمناطق الصناعيَّة حتَّى نهاية عام ٢٠٢٢م، بالإضافة للخطوات التي اتَّخذتها الحكومة لدعم القطاع الخاصِّ والمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة أثناء جائحة كورونا، ممَّا كان له أعظم الأثر في زيادة ثقة المواطنين العمانيين في التوجُّه نَحْوَ ريادة الأعمال كخِيار مُلهِم.
ولعلَّ الإحصائيَّات التي صدرت من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، والتي أشارت إلى ارتفاع عدد المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة المُسجَّلة بهيئة تنميَة المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة بنهاية شهر أغسطس 2021م بنسبة 24 بالمئة عن العام السابق 2020، تشي بنجاعة الإجراءات التي اتُّخذت لترغيب أبناء عُمان في العمل الحُر، وما تحويه الخطَّة الخمسيَّة العاشرة من طموحات مشروعة بدأت تتحقَّق على الأرض، فقد بلغ إجمالي عدد المؤسَّسات الصُّغرى والصَّغيرة والمتوسِّطة المُسجَّلة بهيئة تنميَة المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة بنهاية شهر أغسطس 2021م نَحْوَ 56 ألفًا و687 مؤسَّسة مقارنةً بـ45 ألفًا و706 مؤسَّسات بنهاية شهر أغسطس 2020م، وهي انطلاقة ممتازة تُضفي تفاؤلًا بالمستقبل القريب.