علي بدوان:
لم يَغب الجولان السوري المحتل عن أعين دولة الاحتلال "الإسرائيلي" وجيشها، ومجموع أطرها السياسية وصاحبة القرار. فوزيرة الداخلية "الإسرائيلية" (آليت شاكيد) وهي من عتاة المتطرفين داخل حكومة نفتالي بينيت، تُعلن قبل أيامٍ مضت عن توافق "إسرائيلي" داخلي جديد، لإعادة طرح مشروع استيطان جديد في الجولان السوري المحتل لتوسيع المستوطنات القائمة وعددها 32 مستوطنة (قليلة السكان)، وجلب المزيد من المهاجرين اليهود من أصقاع المعمورة للاستيطان في الجولان، مع سلة إغراءات كبيرة تعطى لكل مستوطن، بما في ذلك منزل مجاني ضمن المستعمرات المقامة، والمستعمرات التي سيتم بناؤها. إضافة لقطعة أرضٍ خصبة، خصوبة أرض الجولان ومياهها الوفيرة.
التسخين "الإسرائيلي" تجاه الجولان، ليس وليد لحظته، بل جزء من سياسة ونهج "إسرائيلي" يهدف إلى نشر دائرة النار في المنطقة في ظل الأوضاع العربية الصعبة ككل، وتوسيع إمكانية زرع مستوطنين جُدد، لتصل أعدادهم لنحو نصف مليون مستوطن خلال فترةٍ قريبةٍ، بعد أن فشلت الحكومات السابقة في الوصول لهذا العدد من المستوطنين اليهود فوق أراضي الجولان السوري المحتل، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها وسلال الإغراءات التي تقدم لكل مستوطن يقبل الإقامة فوق أراضي الجولان المحتل. وقد يعود سبب إحجام المستوطنين عن الإقامة فوق أراضي الجولان لخشيتهم من انفتاح بوابات المقاومة بوجههم من سوريا ولبنان وحتى من القوات الفلسطينية الموجودة في الشتات المحيط بفلسطين، والدور الذي يُمكن أن يقوم به الفلسطينيون في هذا المجال.
ونُشير هنا إلى أن عملية ضم الجولان لدولة الاحتلال "الإسرائيلي" من قبل حكومتها المتخذ من طرفها عام 1981 مرفوض وباطل من جهة الشرعية الدولية، التي أدانته ومعها كل الأسرة الدولية، وما زالت ترفضه بالحزمة السنوية لقرارات الأمم المتحدة التي يجري التأكيد عليها كل عام بالنسبة للصراع الفلسطيني والعربي مع المشروع الاستيطاني الاستعماري التهويدي على أرض فلسطين، والأراضي العربية السورية المحتلة في الجولان، والتي تتعاطى مع قضية الجولان باعتبارها أرضا سورية محتلة يجب أن تعود لسوريا العربية حتى السنتمتر الأخير، طال الزمن أم قصر.
إن مقاومة الجولانيين لعملية الضم القسري الصهيوني متجذرة في صفوفهم، وفي أدائهم الكفاحي اليومي، والجولانيون تحت الاحتلال في القرى الخمس (مجدل شمس + عين قنية + مسعدة + الغجر + قرحتا) بمثابة قوة للمقاومة في الداخل المحتل ككل على أرض فلسطين وصولًا للجولان. ويوم 16/10/2021 استشهد الأسير المحرر، ابن الجولان السوري، وعضو مجلس الشعب سابقًا الشهيد الجولاني (مدحت الصالح) برصاص الاحتلال "الإسرائيلي" عند موقع (عين التينة)، وهو الموقع الملاصق تقريبًا للجولان المحرر مع أراضي الجولان المحتل، ليؤكد ما ذهبنا إليه، وأن الجولان كان وما زال وسيبقى أرضًا عربية سورية، لن تنال منها سنوات الاحتلال. وأن مقاومة الجولانيين مستمرة، بالأشكال والأنماط المُمكنة وحيثما توافرت، ولن تثنيها عملية اغتيال الشهيد مدحت الصالح الذي تحوّل إلى رمزٍ جولاني جديد في مقارعة الاحتلال "الإسرائيلي".
إن استشهاد الجولاني، القيادي، والميداني، الشهيد مدحت الصالح، لن يثني السوريين عمومًا عن مواصلة الكفاح لاستعادة الجولان للوطن الأمم. والدليل على ذلك تمسك الجولانيين بأرض وطنهم وانتماؤهم لوطنهم سوريا العربية بالرغم من كل محاولات "أسرلة" الجولانيين التي قامت وتقوم بها سلطات الاحتلال منذ احتلالها عام 1967. كما الحال كان وما زال مع شعبنا داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
إن غارات التسخين "الإسرائيلية" واستهداف الأرض السورية، والمنشآت في عموم البلد، بسلاح الجو والدرونات وصواريخ أرض ـــ أرض من حينٍ لآخر لن تثني الشعب السوري أو أن تثير الرعب في صفوفه، ولن تجعل من الأرض السورية المحتلة في الجولان مادة للتفاوض. فالجولان السوري المحتل ليس للتفاوض، بل أرض محتلة يجب أن تعود لسوريا، كما تقول وتُقرّ كل السياسات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. واستشهاد مدحت الصالح خير دليل. فألف تحية لروح الشهيد القيادي، والميداني، الجولاني، مدحت الصالح. وسيبقى استشهاده حافزًا كفاحيًّا مُتجددًا، في مواجهة الاحتلال واستعادة الجولان للوطن الأم. وأفخر بأنني عرفته وأعرفه عن قرب منذ سنوات طويلة، والتقينا بأكثر من فعالية بدمشق.