أ.د. محمد الدعمي:
بعد أن تجاوز برنامج الفضاء الأميركي البرنامج السوفييتي السابق، والروسي الحالي، يوم وطأت أقدام "آرمسترونج" سطح القمر قبل عدة سنين، انطلق الأميركيون بسرعة لا مثيل لها لتعزيز تفوقهم على الروس في مجال استكشاف الفضاء، ثم الهيمنة عليه على سبيل استثماره، خصوصا بعد شيوع أنباء "الحرب الكونية"، وما تلاها حول "حرب النجوم".
وإذا كان الروس، من بين آخرين، قد فضلوا "التفرج" على المنجزات الفضائية الأميركية وهي تتوالى، فإن الأميركان كرسوا ثنائي العلم والرساميل لتكريس تفوقهم، عسى أن يأتي اليوم الذي يجدون فيه كنوزًا أسطورية لا حدود لها خارج الغلاف الجوي للأرض.
وبطبيعة الحال، يتطلب هذا التفوق أموالًا طائلة، زيادة على التقدم التقني والعلمي، ليستقر السباق الفضائي لصالح واشنطن اليوم، بعد انكفاء البرنامج الفضائي السوفييتي، ثم إثر تلاشي الاتحاد السوفييتي، ومعه الأسطورتان الفضائيتان "فالنتينا تريشكوفا" و"يوري جاجارين"، رائدا الفضاء في تاريخ العالم.
وإذا ما بقي الأميركان منغمسين في سعيهم لـ"فتح" الفضاء الخارجي، فإنهم ما لبثوا وأن وضعوا البشرية على أعتاب عصر جديد، عصر يتمكن الإنسان الفرد خلاله من الاستمتاع برحلة سياحية، ليس في أوروبا أو آسيا أو أميركا الجنوبية، وإنما على حافات الفضاء الكوني الخارجي، ذلك الفضاء الغامض. وإذا ما كان الكثير من الفقراء يحسدون الأغنياء على ما يضطلعون به من "سياحات" عبر مختلف القارات، فإن "رأس المال" أبى إلا أن يخص هؤلاء الأغنياء بـ"فضاءات" جديدة لمتعتهم في أغرب أنشطتهم السياحية، منذ سخرت النجوم وحركتها قدماء البابليين.
هذا، بالفعل، ما قام به اثنان من أغنى الرجال في العالم (هما: بيزوس وبرانسون) عندما أقلع صاروخ يحملهما إلى حافات الفضاء الخارجي، مبرهنين للعقلية الغربية بأن "المال يمكن أن يفعل كل شيء"، بل ودون حاجة للتدريب البدني والنفسي المثابر من النوع الذي كان يضطلع به كل رائد فضاء، شروطًا مسبقة لاعتلاء الكبسولة التي تقلهم إلى الكون الخارجي بصاروخ عملاق!
وهكذا حقق المال المعجزات في أكبر دولة "رأسمالية" على وجه الأرض، أي الولايات المتحدة الأميركية التي يقال لك حالما تطأ أراضيها إن كان في جيبك دولار واحد، فإن قدرك لا يتجاوز قيمة الدولار المطوي في جيبك أو محفظتك.
وتأسيسًا على ما تقدم، فإن "حمى" السفر، بكبسولة يدفعها صاروخ عملاق لن تلبث وأن تستعر بين كل من يملك أموالًا أسطورية، بل ربما ستنشر هذه الحمى عبر بلداننا العربية التي تعج بالأغنياء الذين قد تعصف بهم الموجة فيتسابقون فيما بينهم لاقتناء السيارات الفاخرة والقصور الفارهة تحت عنوان "هذا من فضل ربي!" وهكذا، بل ولن يطول المشوار لتسمع عن مليونير عربي أو مسلم وقد قرر دفع تذكرة أسطورية الثمن لبضع ساعات بالقرب من حافات الفضاء الخارجي! لنتريث قليلًا كي نرى!