د. محمد العموري:
أنذرنا الله سبحانه وتعالى في "مواقع الإنذار"، وبشرنا سبحانه وتعالى فطمأن عباده المخلصين من عذابه في آيات بينات، ومجملها جاءت على شكل قصص (نحن نقصُّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإِن كنت من قبله لمن الغافلين). ويراد من تلك القصص تعزيز الإيمان في قلوب المؤمنين من المسلمين، وكذلك أخذ العبرة منها؛ لكي لا يقعوا في أخطاء ارتكبها الأمم السابقة في أغلب الأحيان وتجري العقوبات الربانية على المسلمين إذا ما سلكوا نفس سلوكهم ((كِتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب). وما أريد الإشارة إليه هنا هو كيف نعزز الدور الإيجابي الذي تنتهجه بعض الدول العربية، سواء كان السياسي أو الاقتصادي، وكيف نركز على المميز منه فنذكر به في مقالات عدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى علمنا (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). ولأننا في الوطن العربي نمر بزمن وظرفٍ صعب، تباينت فيه السياسات؛ فبعض السياسات متناقضة وأخرى ثابتة في مساراتها، فليست كل السياسات كانت في الوطن العربي حكيمة، ولم تكن بعض السياسات الحكيمة ثابتة في مسارها فتغيرت سياسات وتبدلت أفكار ربما في البلد الواحد وخلال حقبة زمنية قصيرة لا تتعدى العقد من الزمان، ولكننا لاحظنا من خلال التتبع للسياسات العربية، خصوصا من خلال دراسة تلك السياسات خلال القرن العشرين وفي الربع الأول من هذا القرن وبما تسببت فيه بعض السياسات من انهيار أنظمة من جهة، وترقت سياسات في بناء بلدان في الوطن العربي من جهة أخرى.
نعم ترقت سياسات وتصدر قادة مشهد السياسة العربية، وارتقت بلدان فارتقى الأكثر مصداقية في بناء الوطن، بل في بناء المجتمع تمهيدا لأبناء الوطن. ولعلِّي أحسب نفسي أتجه نحو "سلطنة عمان" وكيف أصبحت السلطنة علامة مميزة في بناء الاقتصاد ومنهاجا لبناء الدولة، وأكثرها أهمية التركيز على بناء المجتمع الذي أصبح بهذا التآلف والمحبة، وهذا دليل على اتباع المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ وهو مهندس تلك النهضة المباركة منهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) فتمسك جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ بطريق الحق والعدالة وصدقه في بناء المجتمع بكافة فئاته. ومن هنا يجب الإشارة إلى حقيقة السياسة التي انتهجتها السلطنة، فكانت تتسم بالشفافية والصدق فتمكنت تلك السياسة من كسب ثقة الشعب والالتفاف حولها، وكذلك نالت احترام وإعجاب المجتمع الإقليمي والعالمي على حدٍّ سواء، فأصبحت السلطنة تمتلك مفتاح النجاح الذي أهَّلها لتبني أسس المجتمع الجديد الذي بنيت ركائزه على سياسة اقتصادية متينة منحت السلطنة هذا الثقل الذي أهَّلها لتكون مثلًا للسياسة الدولية في منطقة ساخنة من العالم. ولعلِّي أجزم بأن السياسة الاقتصادية في سلطنة عمان نجحت في أن تقود العملية السياسية وليست العكس كما هو معروف في بعض السياسات العربية، والتي بُنيت على التركيز على السياسة في بناء الاقتصاد؛ لأننا نعلم أن السياسة الاقتصادية إذا ما اقترنت بالسياسة الدولية فإنها ستكون رخوة وغير قادرة على تطوير ذاتها الاقتصادي، أما عزل السياسة عن الاقتصاد فمعنى هذا أن الاقتصاد سينمو على أُسس علمية تكون ركائزه مبنية عليه "الأساس السياسي" لأننا نعلم أن السياسات في الشرق الأوسط دائما مبنية على (عدم الاستقرار) في أكثر الأحيان، ولأن خريطة السياسة الاقتصادية سوف يكون لها الحظ الأكبر في زيادة الاستقرار وانتهاجِ السياسة الوطنية في المجتمع، وبالتالي فإن نجاح السياسة الاقتصادية بعيدا عن التأثيرات السياسية سيكون له الأثر الأكبر في بناء السياسة الدولية لتلك الدولة، وهذا ما سعت له سلطنة عمان، فإنني من خلال متابعتي للعملية السياسية المستقرة والسياسة الاقتصادية في سلطنة عمان استنتجت أن السياسة الاقتصادية كانت تسير بمسار موازٍ مع السياسة العامة للدولة، وهذا ما جعل السياسة الاقتصادية هي المؤشر الأكثر نجاحا في بناء المجتمع، مما أدى إلى فرض السياسة العمانية المتفردة في المنطقة، بل أصبحت الآن هي من أنجح السياسات في العالم العربي ومحط إعجاب واحترام المجتمع العالمي والإقليمي للسلطنة. وعود على بدء، فإنني أرى كما يرى أغلب المتابعين للسياسات الاقتصادية في الوطن العربي؛ أن السياسة العمانية الواضحة التي انتهجتها سلطنة عمان هي السياسة الأكثر ملاءمة في الواقع العربي؛ كون منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى التهدئة لبناء الاقتصاد وازدهار الأوطان، ويجب أن ينظر إليها في تطبيقاتها ومساراتها بأنها النظرية الأكثر نجاحا في الوقت الحاضر، وعلينا أن نتخذ من تلك السياسة نموذجا لبناء السياسة الاقتصادية العربية، وأن تكون السياسة العربية بنفس الهدوء والحكمة والاستقرار التي تمتلكها سلطنة عمان والتي بانت بشائرها في الأفق لما تحمله من توازن وحكمة واستقرار. فبغضِّ النظر عن التجاذب السياسي واختلاف وجهات النظر بين السياسات العربية، ولسنا بصددها، فإنني أدعو إلى أن تتوحد الأفكار الاقتصادية وتتوحد السياسة الاقتصادية العربية وفق المنظور الذي تم طرحه من تجربة سلطنة عمان الاقتصادية لبناء الشراكة الاقتصادية في الوطن العربي بعيدا عن السياسة والتركيز عليها كبذرة عربية تجمع الأقطار العربية تحت مظلة الاقتصاد لتكوين التكامل الاقتصادي، والذي سيكون ـ بإذن الله ـ التكامل الأكثر تأثيرا في المنطقة أو على مستوى الدولي، وستنبثق من هذا التجمع الاقتصادي العربي لجان تنسيقية لتكفل التنسيق بين الدول العربية من جهة وبين المجتمع الإقليمي والدولي بما يتناسب مع المصالح الاقتصادية المتبادلة بين التجمع الاقتصادي العربي والاتحادات الاقتصادية أو التجمعات الاقتصادية الدولية.
قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).