وليد الزبيدي:
لم يدرك العالم خطورة التقرير الذي قدّمه كولن باول أمام أعضاء مجلس الأمن في الخامس من فبراير/ شباط في العام 2003، لقد كان "بوابة الحرب والجحيم". صحيح أن كلمة باول وما زعم باول في كلمته بأنها "وثائق دامغة" تؤكد امتلاك العراق لـ"أسلحة دمار شامل"، إلا أن الطرح الذي جاء في كلمة باول وفي وثائقه كان في غاية السذاجة ولا يقبله شخص عاقل، لكن تفاعل معه الكثيرون وصدقوا أقواله ووثائقه؛ لأنه وزير خارجية الولايات المتحدة.
في هذه السطور، سأحاول شرح سذاجة تلك الوثائق وسطحية الطروحات التي أفضت في النتيجة إلى حرب مدمرة ستبقى آثارها لسنوات طويلة.
أثناء جلسة مجلس الأمن الدولي كنت في بغداد التي تئن تحت وطأة الحصار الأميركي الذي تواصل لثلاث عشرة سنة، وتم اختياري من قبل إذاعة الـ"بي بي سي" البريطانية للرد على خطاب باول، خصوصا أن طبول الحرب كانت تقرع على أوسع نطاق في أميركا وبريطانيا، وكنت أشعر بالكثير من الحرج بسبب أن ما سيقوله باول أمام العالم لا بُدَّ أن يكون زاخرا بالمعلومات والوثائق والأدلة، التي دفعت بوزير الخارجية الأميركي لطلب الاجتماع الدولي لطرحها، وكيف لي الرد عليه، ولم تكن لدي أية صفة رسمية أو حكومية وليس لدي معلومات خاصة بهذا الموضوع إلا ما يتم تداوله في وسائل الإعلام، ولأن الـ"بي بي سي" وضعت ثقتها بي، فمن الصعب الاعتذار والانسحاب، ولكن قد أوجه إحراجا في الرد وتوقعت أن يكون الإحراج والفشل في الرد مؤكدا.
لكن ما أن استمعت إلى الدليل الأول حتى بدأت أتنفس الصعداء، وتوالت "الأدلة والوثائق"، فكانت جميعها غير مقنعة على الإطلاق، بل من المخزي أن يستمع إليها مجلس الأمن الدولي وحتى المجتمع الدولي.
قال باول، إن العراق يرعى الإرهاب وتحديدا تنظيم القاعدة، وأشار إلى وجود هؤلاء في منطقة "حلبجة" في شمال العراق ويقصد معسكر (أنصار الإسلام). وكان ردي على ذلك في غاية الدقة والبساطة، قلت: إن هذه المناطق خارج خط العرض 36، ومنذ العام 1992 تقع هذه المنطقة للحماية الجوية الأميركية، فكيف تستطيع حكومة بغداد التواجد هناك؟ وذكرت تفاصيل أخرى تفند ذلك الاتهام بالكامل.
الوثيقة الثانية أظهرت صورا جوية قال باول إنها شاحنات تحمل أسلحة بيولوجية وجرثومية ويحركها النظام في مناطق مختلفة، وقلت حينها: طالما أن الأميركيين يعرفون تلك الشاحنات وتتواجد فرق المفتشين الدوليين داخل العراق لماذا لا يذهبون إليها ويمسكون الدليل الثابت؟ وتم تفنيد جميع ما قدمه باول.
في النتيجة استمع العالم ومن خلال مجلس الأمن لكولن باول، وشنُّوا حربهم المدمرة، ولم يكن باول صادقا، ولم يجدوا دليلا واحدا على مزاعمهم وأكاذيبهم.