كلما شعر كيان الاحتلال الصهيوني بضيق هوامش الحركة التي جهزها عبر السنوات الماضية ليتهرب عن طريقها من أي التزام تجاه السلام، يتحرك سريعًا إلى توتير الأجواء إما بشن الحروب العدوانية وارتكاب المذابح أو اللجوء إلى التحريضات والفبركات والأكاذيب والدسائس وتوزيع الاتهامات الطائشة يمينًا ويسارًا تجاه كل من يراه عائقًا أمام مشاريعه الاحتلالية والاستعمارية من أجل تخريب أي محاولات توازن قد يلجأ إليها الجانب الفلسطيني لا سيما في ظل أجواء المفاوضات التي أطلقتها الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لكيان الاحتلال الصهيوني.
ويبدو أن المحتلين الصهاينة بدأوا يشعرون بضيق كبير من عدم تمكنهم من اختراق المحظورات الفلسطينية خاصة وأن الأجواء التي تشهدها المنطقة وحالة الفوضى الناتجة عن كذبة "الربيع العربي" وسيطرة الإرهاب على مفاصل الدول العربية الفاعلة والمؤثرة تمثل سانحة وفرصة كبيرتين لإنجاز ما كان متعذرًا إنجازه قبل هذه الفوضى من الأهداف والأحلام التلمودية لكيان الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه. فمنسوب الضيق ترتفع درجاته كلما أعلن الفلسطينيون تمسكهم بالثوابت الوطنية ورفضهم لأي مظهر من مظاهر الابتزاز، حيث تنتاب قادة الاحتلال الصهيوني نوبة من التحريض والتوتير والادعاءات ضد الجانب الفلسطيني، فتأتي تصريحاتهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم دالة على حجم ما يتملكهم من كره وحقد وغيظ تجاه الشعب الفلسطيني وسلطته وعلى رأسها الرئيس محمود عباس لتمسكهم بثوابتهم الوطنية ورفضهم المساومة عليها.
ولذلك ليست جديدة عملية التحريض التي يقودها المحتل العنصري المدعو يوفال شتاميتش وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال ضد الرئيس عباس، فهي إحدى الحلقات من مسلسل تحريضي خطير ليس ضد الرئيس الفلسطيني وحده، وإنما لكل ما هو فلسطيني، كما أن هذا التحريض هو أحد التعبيرات الدالة على حقيقة العداء والعنصرية والنهب والاغتصاب لكيان الاحتلال الصهيوني منذ اغتصابه أرض فلسطين، وبالتالي يندرج تحريضه في إطار هذه السياسة بهدف ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لإجبارها على التنازل عن الثوابت الفلسطينية لصالح المشروع التلمودي الهادف إلى بناء "كيان احتلالي يهودي" عنصري، لا مكان فيه لغير أبناء الطائفة اليهودية، وكذلك للتغطية على عمليات القضم والنهب عبر الاستيطان غير الشرعي، ومواصلة التهويد والقتل والتشريد، ورفض الوفاء بالاستحقاقات الواجبة بحق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، والاعتراف بحدود عام 1967م وعودة اللاجئين وغيرها من قضايا الحل النهائي.
إن التحريض على الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية ومختلف الفصائل الفلسطينية لن يتوقف ما دام هؤلاء متمسكين بحقوقهم الوطنية الثابتة، ولذلك من الممكن أن نسمع الكثير من محاولات التشويه والتحريض ونسج الأكاذيب والدعايات من قبل المحتلين الصهاينة المغتصبين، وعليه فإن تحريض المدعو وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال ضد الرئيس عباس، يضاف إلى ما سبق من أرصدة التحريضات والفبركات والتشويهات والتي كان آخرها التحريض على تصفية عباس ومحاصرته كما فعل بسلفه الشهيد الراحل ياسر عرفات، وكذلك التحريض على تغيير السلطة بزعم أنها بدأت تفقد شرعيتها وغير قادرة على تحقيق تقدم في الأهداف السياسية. لكن ما لم يستوعبه المحتلون الصهاينة حتى الآن أن كل ممارساتهم العدوانية الاحتلالية وإجرامهم لم يفلا يومًا ولن يفلا من عضد الفلسطيني، ولم ولن يوهنا من عزيمته، أيًّا كان موقعه ومكانه في الجغرافيا الفلسطينية وفي مسيرة الكفاح الوطني الفسطيني.