قراءة: سارة الذهلية
تناولت الكاتبة سارة الذهلية كتاب «اربطوا الأحزمة» للكاتبين بدر الوهيبي ومعتصم السالمي حيث قامت بكشف أسرار هذا الكتاب الغني بالمعرفة وبالمفردة الرصينة التي تعكس تمكن ذائقة الكاتب العماني، وتقول (الذهلية): (يبدو كقصر نائم بجانب نهر الدانوب يتلألأ على صفحة مياه النهر المنساب في أوقات الغروب وانعكاسات أضواء المساء، التي تجعله قطعة متوهجة بلون الذهب) أبدأ ملخصي بهذا الاقتباس أعلاه، وأوجه سؤالي لكم: بعد مثل هكذا وصف أدبي تُفتتح به الفصول في كتاب (اربطواالأحزمة) ألن يسعَ القارئ بحرص لمتابعة بقية الفصل؟ بالتأكيد سيكون ذلك، و هذا ما كنتُ عليه .. وما لفت انتباهي أيضاً، رغم أن هذا الكتاب المفترض أنه سيكون وصف لجغرافية وأماكن وشعوب العالم، كيف استطاع الكاتبين بدر الوهيبي ومعتصم السالمي أن يقدما محتوى شيق خالٍ من الجمود؟ إن الأسلوب الأدبي حاضرًا بشكل جميل جداً بين ثنايا الكتاب وهذا ما جعل الكتاب يتسم بالحركية والجذب.
أعرج إلى اقتباس آخر في فصل آخر و في رحلة أخرى :
(استسلمنا لداعي التعب و لكن المنغصات لم تهدأ بعد، فبينما نحن جالسون في الشقة إذ بصوت إنذار، فما هي لحظة حتى تهتز الأرض من تحتنا) هذه المسارات التي اتبعها الكاتبين في طرح المغامرات بطريقة درامية محببة، جعلت القارئ يتتبع الأحداث بفضول وكأنه يقف على ناصية حبكة حابسة للأنفاس. لفت انتباهي أن الكتاب يتناول الأسفار بناء على مؤشرات اختيار وجهات السفر، وهي كما ذكرت في الكتاب: التميز والشكل وكسر الروتين والتنوع ومؤشرات أخرى يبلغ عددها جميعاً عشرون مؤشرًا.
الكتاب جاذب جدًا، حتى لكل من لا يستطيع السفر، مع حضور الأسلوب الجاذب والفائدة والمتعة ستشعر بأنك تتابع فيلم وثائقي، فالكتاب سيسرد لك العديد من المواقف.. ومثلما قيل: السفر يسفر عن صاحبه، فأيضاً كتاب السفر يسفر عن تجارب وأفكار ومعلومات ثمينة ربما لن تجدها كقارئ حتى في الكتب المعلوماتية. أما بالنسبة لمحبي السفر فكتاب اربطوا الأحزمة من الخيارات الرائعة لتنوير المسافر، واستطعت من خلاله أن أعرف ماذا سآكل إذا ذهبت إلى إيران مثلًا ، و أين سأذهب إذا سافرت الى نيوزيلندا.. وما الذي يجب علي الحذر منه حينما أكون في اليابان على سبيل المثال. الشفافية حاضرة، و حضورها أكسبني وفرة من الثقة بما جاء في الكِتاب، فبينما يحاول بعض الكُتّاب أن يقدموا صورة مبهرجة عن ما يملكون وما يفعلون، تستطيع أن تقرأ عبارة مثل: “غيرت الوجهة لأن تكاليف الخطة مرتفعة” بمنتهى الوضوح والبساطة وأرى في هذا درس خصب بأن نكتب ما يحدث فعلاً و ما يمثلنا فعلاً وما يمس حياة و تجربة أغلب القراء. راق لي جداً أن الكتاب مدعم بالصور، إلا إنني شعرت بأن هذه الصور كانت بمثابة توثيق فقط ولو كانت ملونة ستؤدي غرض التوثيق وستوصل أيضاً جمالية المكان إلى عين القارئ، حيث أن انبهار العين لا يتم بدون الألوان، خصوصاً صور الأماكن أو الأسواق أو الطبيعة لا يتضح جمالها بالألوان الأحادية، ومن هنا أتمنى كمقترح من قارئة أن تكون الصور في النسخ القادمة ملوّنة.